عنوان الفتوى : مدة قصر الصلاة للمسافر وحكم اقتداء من يصلي المغرب بمن يصلي العشاء
مسافران وصلا إلى مدينة منذ ثلاثة أيام لزيارة أهلهما، فصلى الأول المغرب والعشاء دون قصر؛ لأنه لا يسمى عنده سفرًا، فهل يجوز ذلك؟ ثم جاء الرجل الثاني، وصلى خلفه كما صلى، فهل يجوز ذلك؟ ثم جاء الثالث - وهما في صلاة العشاء- بنية القصر، فصلى المغرب، وسلم، وبعدها أكمل معنا الركعة الرابعة، وأتم العشاء قصرًا، فهل يجوز ذلك؟ أرجو الإجابة على المذاهب الأربعة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمسافر يقصر الصلاة أثناء سفره، إذا وجدت المسافة التي تبيح القصر، وتقدر تلك المسافة تقريبًا بثلاثة وثمانين كيلومترًا، فإذا وصل إلى جهة سفره، ونوى الإقامة بها أقل من أربعة أيام، أو لم ينوِ شيئًا؛ لتردده في البقاء، أو ارتباطه بمصلحة لا يعلم وقت انقضائها، فإنه يظل يقصر الصلاة، ولو طالت المدة؛ لقوله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا {النساء:101}، ولما رواه الشيخان عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر، وعمر، وعثمان كذلك -رضي الله عنهم-.
وإنما اختلف الأئمة الأربعة فيمن نوى الإقامة أربعة أيام، أو أكثر، فذهب مالك، والشافعي، وأحمد - رحمهم الله - إلى أنه يتم صلاته، وعدّ أحمد من الأربعة الأيام اليوم الذي يدخل فيه، واليوم الذي يخرج منه، وذكر أنه إن أقام أكثر من عشرين صلاة أتم، ولم يعد مالك، والشافعي يومي الدخول والخروج من المدة.
وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه يقصر ما لم ينوِ الإقامة أكثر من خمسة عشر يومًا، قال ابن رشد في بداية المجتهد: مذاهب فقهاء الأمصار في الزمان الذي يجوز للمسافر إذا أقام فيه في بلد أن يقصر ثلاثة أقوال:
أحدها: مذهب مالك، والشافعي، أنه إذا أزمع المسافر على إقامة أربعة أيام أتم.
والثاني: مذهب أبي حنيفة، وسفيان الثوري، أنه إذا أزمع على إقامة خمسة عشر يومًا أتم.
والثالث: مذهب أحمد، وداود، أنه إذا أزمع على أكثر من أربعة أيام أتم. اهـ.
فقد عرفت أن الرجل الأول والثاني إذا كانت المدينة التي وصلا إليها ليست محل إقامتهما، وكانت نية إقامتهما ثلاثة أيام فقط، فإن حكمهما قصر الصلاة الرباعية على المذاهب الأربعة.
وأما الثالث: ففي صلاته مسألتان محل خلاف بين أهل المذاهب الأربعة:
الأولى: أنه بصلاته للمغرب خلف من يصلي العشاء، يكون قد خالفت نيته نية إمامه، وهذا ممنوع، يبطل صلاته عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة، ومالك، وأحمد في القول المعتمد عنه، وذهب الشافعي، وأحمد في أحد قوليه إلى أن صلاته صحيحة، وأن تلك المخالفة لا تضر، قال النووي في المجموع: فرع: في مذاهب العلماء في اختلاف نية الإمام والمأموم: قد ذكرنا أن مذهبنا جواز صلاة المتنفل والمفترض خلف متنفل ومفترض في فرض آخر، وحكاه ابن المنذر عن طاوس، وعطاء، والأوزاعي، وأحمد، وأبي ثور، وسليمان بن حرب، قال: وبه أقول، وهو مذهب داود، وقالت طائفة: لا يجوز نفل خلف فرض، ولا فرض خلف نفل، ولا خلف فرض آخر، قاله الحسن البصري، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة، وأبو قلابة، وهو رواية عن مالك، وقال الثوري، وأبو حنيفة: لا يجوز الفرض خلف نفل، ولا فرض آخر، ويجوز النفل خلف فرض، وروي عن مالك مثله.
الثانية: أنه أدرك ركعة من العشاء مع إمام متم لصلاته، وقصر صلاته، وهذا لا يجوز في المعتمد من أقوال المذاهب الأربعة، قال النووي في المجموع: قال الشافعي، والأصحاب -رحمهم الله-: شرط القصر أن لا يقتدي بمتم، فمن اقتدى بمتم في لحظة من صلاته، لزمه الإتمام، سواء كان المتم مقيمًا، أو مسافرًا نوى الإتمام، أو ترك نية القصر... وبهذا قال أبو حنيفة، والأكثرون، حكاه الشيخ أبو حامد عن عامة العلماء، وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر، وابن عباس، وجماعة من التابعين، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وقال الحسن البصري، والنخعي، والزهري، وقتادة، ومالك: إن أدرك ركعة فأكثر، لزمه الإتمام، وإلا فله القصر. اهـ.
وللمزيد من الفائدة، يمكن الاطلاع على الفتاوى: 4824، 6846، 5991.
والله أعلم.