عنوان الفتوى : كيفية التوبة من أخذ صندوق لا قيمة له الآن إذا توفي صاحبه
كنت أتجول بين المزارع المجاورة لبيتنا عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، فدخلت مزرعة شبه مهجورة -يأتيها صاحبها في الأسبوع أو الأسبوعين مرة-، وعند تجوالي فيها وجدت صندوقًا حديديًّا دون غطاء، وكان لونه أحمر من الصدأ، فأخذت ذلك الصندوق لأستخدمه دون علم صاحب المزرعة، وقد ندمت الآن على ذلك العمل، والصندوق ما يزال عندي، وسعره الآن ربما لا يتجاوز الخمسين ريالًا، وصاحب المزرعة توفي منذ زمن، وورثته موجودون، وأنا لا أستطيع ردّه لهم؛ لأنهم جيران لنا، وأخشى أن يؤدّي ردّه إلى تشويه سمعتي في الحي، وربما يصل الأمر إلى تهمتي بالسرقة، وإضافة إلى ذلك فهو من الأشياء التي لا ينتفع بها في زماننا الحالي، فقررت أن أتصدق عن صاحبه المتوفى بمبلغ مائة ريال، وأستغفر، وأدعو له ، فهل بذلك تبرأ ذمتي؟ جزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما دام ورثة صاحب الحق موجودين، ويمكن الوصول إليهم، فإنه يجب إيصال الحق لهم، قال النووي في المجموع: قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام، وأراد التوبة، والبراءة منه، فإن كان له مالك معين، وجب صرفه إليه، أو إلى وكيله، فإن كان ميتًا، وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه، ويئس من معرفته، فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة ... وإلا فيتصدق به على فقير، أو فقراء. اهـ.
وعلى ذلك؛ فهذا المبلغ الذي أراد السائل أن يتصدق به عن صاحب الصندوق المتوفى، إنما هو الآن من حق ورثته، ولا يشترط أن يخبرهم بحقيقة الأمر، بل يكفي أن يوصل إليهم حقّهم، بأي سبيل تيسر، ولو وصلهم من جهة مجهولة.
وأخيرًا: ننبه على أن الأصل هو أن يرد المغصوب بعينه، إن كان قائمًا، ولكن ما دام ذلك متعذرًا؛ للسبب الذي ذكره السائل، ثم لأنه صار مما لا ينتفع به في زماننا الحالي -كما ذكر السائل-، فيجب ألا يقل المبلغ المردود إلى الورثة عن قيمة الصندوق يوم غصبه، لا يوم ردِّه.
والله أعلم.