عنوان الفتوى : هل يجوز الاستمتاع بملك اليمين دون عقد نكاح؟
هل صحيح ما ذهبت إليه من أن شروط نكاح الأمة، هي نفسها شروط نكاح الحرة، وأن ما يتناقل عن تجويز الشروع في نكاح الأمة وقت ما شاء صاحبها، خطأ دخيل على الإسلام؛ إذ لم يرد جواز هذا الزني بأي شكل من الأشكال، لا في القرآن، ولا في السنة، ولا في سيرة الصحابة -رضوان الله عليهم-؟ ودليلي على ذلك: ١- "أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها، فنكاحها باطل" ثلاثًا. حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، أخبرنا ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها، فنكاحها باطل" ثلاث مرات. "فإن دخل بها، فالمهر لها بما أصاب منها. فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له". حدثنا القعنبي، حدثنا ابن لهيعة، عن جعفر -يعني ابن ربيعة-، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه. قال أبو داود: جعفر لم يسمع من الزهري، كتب إليه. ٢-قول الله سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ [النساء:25]. وأن أو في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾. بمعنى العطف وليس الاستثناء من اليتامى، وليس من النساء.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كنت تقصد أنّ الاستمتاع بملك اليمين لا يجوز بغير عقد نكاح، كما هو الحال في الحرائر، فهذا كلام باطل، مخالف للكتاب، والسنة، والإجماع، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: التسري جائز بالكتاب، والسنة، والإجماع، إذا تمت شروطه كما يأتي.
أما الكتاب: ففي مواضع، منها: قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا}، وقوله: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم. . .} إلى قوله: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم}، وقوله: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين}.
قال ابن عابدين: فمن لام المتسري على أصل الفعل، بمعنى: أنك فعلت أمرًا قبيحًا، فهو كافر؛ لهذه الآية، لكن لا يكفر إن لامه على تسريه؛ لأنه يشق على زوجته، أو نحو ذلك.
وأما السنة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة". وأعطى حسان بن ثابت -رضي الله عنه- إحدى الجواري التي أهداها له المقوقس، وقال لحسان: دونك هذه، بيض بها ولدك.
والسنة الفعلية أيضًا دالة على جواز التسري، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له سرار.
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك}. قال: أي: وأباح لك التسري مما أخذت من الغنائم، وقد ملك صفية، وجويرية -رضي الله عنهما- فأعتقهما، وتزوجهما، وملك ريحانة بنت شمعون النصرانية، ومارية القبطية -رضي الله عنهما- وكانتا من السراري. أي: فكان يطؤهما بملك اليمين.
وكذلك الصحابة -رضي الله عنهم- اتخذوا السراري، فكان لعمر -رضي الله عنه- أمهات أولاد، أوصى لكل واحدة منهن بأربعمائة درهم، وكان لعلي -رضي الله عنه- أمهات أولاد، وكان علي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر من أمهات الأولاد. وروي أن الناس لم يكونوا يرغبون في أمهات الأولاد حتى ولد هؤلاء الثلاثة، فرغب الناس فيهن، وأجمعت الأمة على ذلك، واستمر ذلك عند المسلمين دون نكير من أحد، إلى حين انتهاء الرق في العصر الحديث. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 134304.
وإن كنت تقصد شيئًا آخر، فبينه لنا، حتى نجيب عنه.
والله أعلم.