عنوان الفتوى : مجرد الملك سبب كاف لإباحة الوطء
بالنسبة للفتوى التي أرسلتها وكانت فتوى رقم 133835 فاعذروني بأنني لم أقتنع بالإجابة على الفتوى، فكيف كان الذي يملك جارية يباح له جماعها، وليس بينهم عقد زواج أو ما كان سائدا في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم من إثباتات الزواج يعني هل يعقل ذلك؟ أو ليست تعاليم الإسلام صالحة في كل زمان ومكان ؟ ومما فهمت من إجابتكم أن ما ملكت اليمين هي ليست من قرابة سيدها، بل هي مجرد خادمة في بيت سيدها، والخادمة موجودة في أيامنا هذه، وعلى سيدها أيضا كسوتها وإعطاؤها مبلغا من المال كراتب شهري ومعاملتها بالمعروف أيضا، فهل يجوز لسيدها جماعها على سبيل المثال مع تغير مسماها بالمقارنة مع زمن الرسول صلى الله عليه وسلم من جارية أو أمة أو ما ما ملكت اليمين إلى خادمة في زمننا هذا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم نفهم قصدك من قولك لم أقتنع بالإجابة على الفتوى، فإن كان القصد أنك لا تقبل هذا الحكم الشرعي أو أنك لا تراه صوابا ونحو ذلك، فاعلم أن الانقياد إلى أمر الله شرط في صحة الإيمان قال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء:65}
وإن كان القصد أنك لم تفهم ما ذكرنا في الفتوى أو أن ما سقناه من الأدلة ليس كافيا في نظرك لإثبات هذا الحكم، فاعلم أن قد ذكرنا في الفتوى التي أشرتَ إليها أن ملك اليمين تطلق على الأرقاء المملوكين للشخص، وقد يراد بها خصوص الإماء المملوكات، والجارية المملوكة للرجل يجوز له جماعها بدون عقد لأن الملك سبب كاف لإباحتها قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {المعارج:29 ،30}
قال ابن العربي في أحكام القرآن: فدل كتاب الله عز وجل على أن ما أباح من الفروج فإنما أباحه من أحد وجهين: النكاح أو ما ملكت اليمين. انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: الثاني: أن قوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. يقتضي عموم جواز الوطء بملك اليمين مطلقا إلا ما استثناه الدليل. انتهى
أما عقد النكاح السائد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يشمل ملك اليمين. والتسري بملك اليمين كان شائعا في زمنه صلى الله عليه وسلم من غير عقد.
أما الخادمة المتعارف عليها الآن فهي حرة مستأجرة للخدمة في البيوت وليست مملوكة لمن استأجرها، وهي أجنبية منه لا تجوز له الخلوة بها ولا لمسها، وجماعها من غير عقد نكاح زنا صريح، والعياذ بالله تعالى، ويترتب عليه الحد الشرعي.
وأخيرا ننبه السائل إلى أن المسلم عليه الخضوع لأمر الله تعالى والاستسلام لحكمه وشرعه ولو لم تظهر له الحكمة في ذلك، فليس كل حكم شرعي له علة معلومة، فإذا جاء أمر الله تعالى فما على المؤمن إلا أن يقول سمعنا وأطعنا، سواء علم الحكمة أم لم يعلمها.
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: ولهذا إذا صادفك سائل ليس جدلياً، وقال: ما الفرق بين هذا وهذا؟ فقلتَ: هذا حكمُ الله يسكت ، لأنه مؤمن، ويعلم أن الله لا يفرق بين متماثلين إلا لفرق بينهما، إما معلوم أو غير معلوم، لكن الجدلي يتعبك بالجدل ويتعمق. انتهى
والله أعلم.