عنوان الفتوى : وجوب الوقوف عند حدود الله في قسمة الميراث
أجدادي من أبي وأمي عبارة عن ثلاثة إخوة وهم: معتوق (أبو أمي) ومحمد (أبو أبي) وإبراهيم. كانت عندهم أراضي لأبيهم بشير، وقد قسمت بينهم بالتساوي بعد وفاته. ولأن جدي معتوق (أبي أمي) لديه أربع بنات، وأختان من أمه وأبيه، وزوجتان، أي بنات فقط، فقد استولى كل من ابن الجد إبراهيم (خليفة) وابن الجد محمد (أحمد) على كل أراضي جدي معتوق بالحيلة والخديعة بعد وفاة الجدود، وبدعوى أن البنات لا يرثن. وقد باعوا ما باعوا، وورثوا لأبنائهم ما ورثوا. فأحمد ابن الجد محمد كان يمتلك جميع أوراق وعقود وتقسيمات تلك الأراضي، ونحن لا نعلم الكثير منها، ولكن بنات الجد معتوق يعرفن بعضها من صغرهن، وبطبيعة الحال فإن معظم الناس الكبار في العمر قد ماتوا، ولا نستطيع التثبت من بقية الأراضي. ومؤخرا قسمت أرض بين علي (أبي) وبين أحمد (عمي) ابني الجد محمد، وهذه الأرض كانت قد قسمت بينهما باحتساب ما عرف من أراضي كان يملكها الجد محمد، ولكن أحمد بطبعه الخبيث قد تمكن من خداع الكل، وأخفى الكثير من الأراضي؛ لأنه يملك كل الأوراق، وبذلك يكون قد أخذ أكثر من حق أخيه (علي) بالإضافة إلى الأراضي التي باعها في السابق، وطالب (عليا) أيضا بدفع ثمن شجرتي زيتون جاءتا في الأرض التي من نصيب (علي) بدعوى أنه هو من غرسها، وحلف اليمين أنه لن تتم القسمة ما لم يقبض ثمنهما، ولذلك أعطاه (علي) 1200 دينار. وكنتيجة لذلك حصل (علي) (أبي) على 10000 متر مربع نصيبه من القسمة. وعند استجلائنا للأمور تبين أن هذه ال 10000 كانت من الأراضي التي قسمتها القبيلة في السابق بين ذكورها الذين هم على قيد الحياة حسب ما يقول الناس، ويوجد أيضا في هذه ال 10000 أشجار زيتون لأناس آخرين كانوا هم من غرسها في السابق. وسؤالنا الأول هو: هل نبحث عمن قام بغرس أشجار الزيتون في السابق، ونعطيه ثمنها، ونطلب منه التنازل عنها لنا، بالرغم من أنها في أرض أبي؟ وسؤالنا الثاني هو: هل يكون في نصيب أبي شيء لورثة الجد معتوق (4 بنات، بنتان توفيتا، وبنتان على قيد الحياة، وأختان متوفيتان، وزوجتان متوفيتان)؟ وهل يحق لبنات الجد محمد (أخوات أبي) شيء؟ وهم كالتالي: أخت من أب وأم أخت من أم فقط أختان من أب فقط؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأمر التركات وسائر الحقوق المشتركة أمر خطير وشائك، فينبغي رفعه للمحاكم الشرعية؛ للنظر والتحقيق والتدقيق، وإيصال الحقوق لذويها. ولا يمكن الاكتفاء في مثل هذا الأمر بمجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، خاصة إذا كانت متشابكة، ومتطاولة الزمان، ومتعددة الأطراف. والذي يسعنا هنا أن نبين للسائل الأمور العامة المتعلقة بسؤاله، في النقاط التالية:
- الأولى: لا يجوز حرمان البنات من نصيبهم من التركة، سواء أكانت أراضي أم عقارات، أم منقولات أم غير ذلك. ومن فعل ذلك فقد عرض نفسه لسخط الله تعالى الذي أعطى كل ذي حقه من الميراث، وبيَّن أنصبة المواريث في كتابه، ثم قال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ {النساء:14،13}.
قال السعدي: أي: تلك التفاصيل التي ذكرها في المواريث، حدود الله التي يجب الوقوف معها وعدم مجاوزتها، ولا القصور عنها. اهـ.
فحرمان أي وارث من نصيبه، أو منعه من التصرف فيه ـ من كبائر الذنوب، ومن الظلم البين، والتعدي الواضح لحدود الله تعالى. وفي حرمان البنات على وجه الخصوص مع ما تقدم: مشابهة لحال أهل الجاهلية، وتضييع لوصية النبي صلى الله عليه وسلم القائل: اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة. رواه ابن ماجه وأحمد. وصححه البوصيري، وحسنه النووي والألباني.
قال النووي في (رياض الصالحين): معنى "أحرج": ألحق الحرج ـ وهو الإثم ـ بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا، وأزجر عنه زجرا أكيدا. اهـ.
وهذا الحق في الميراث لا يسقط بالتقادم، فإن مات المستحق لنصيب من التركة، انتقل حقه كاملا لورثته هو دون غيرهم.
- الثانية: أن الميت إن ترك أولادا ذكورا وإناثا، سواء أكانوا من أم واحدة أو أمهات شتى، فإنهم يقتسمون نصيب الأولاد بينهم جميعا، للذكر مثل حظ الأنثيين، لقوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11].
- الثالثة: الزيتون المغروس في الأرض، يختلف حكمه باعتبار إذن صاحب الأرض بهذا الغرس، أو عدم إذنه، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 142451، 62734، 308059، 80227.
والله أعلم.