عنوان الفتوى : حكم الشرع فيما يعرف باستثمار الأرض
عيد مبارك , وكل عام وأنتم بخير . أود معرفة الحكم الشرعي جزاكم الله خيرا في مسألة , وسأضرب لها مثالا : رجل يمتلك أرضاً لا بناء فيها , فيستأجرها منه رجل آخر لمدة عشر سنوات بمبلغ 200.000 ريال سنوياً , فيبني عليها المستأجر عمارة من ماله وينتفع بها خلال مدة الإيجار , وبعد انتهاء المدة يغادر المستأجر وتبقى العمارة لمالك الأرض دون عوض عنها . وقد انتشرت هذه الحالة بشكل كبير , وأصبحوا يطلقون عليها (استثمار الأرض) , فمن وضع إعلانا على أرضه كتب فيه ( الأرض للاستثمار ) يفهم منه أنه يرغب في تأجيرها على من يبني عليها عمارة , وبعد انتهاء مدة الإيجار تصبح العمارة ملكا لصاحب الأرض , وليس للمستأجر الذي بناها من أمواله إلا الانتفاع بها خلال مدة الإيجار ثم يتركها دون أن يحصل على عوض عنها . فما هو الوجه الشرعي لهذه المسألة , وإن كانت غير جائزة فما هو الحل البديل للوصول إلى نتيجة مقاربة تكون جائزة شرعا ؟وجزاكم الله خير الجزاء .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا تجوز إجارة الأرض على النحو المذكور؛ لأن اشتراط صاحب الأرض تملك العمارة التي بناها المستأجر في نهاية عقد الإجارة يجعل تلك العمارة المبنية جزءا من الأجرة المستحقة لمالك الأرض ولا يمكن ضبط قيمتها عند وقت التعاقد مما يؤدي إلى جهالة الأجرة، وبالتالي فساد العقد ، قال ابن قدامة في المغني : يشترط في عوض الإجارة كونه معلوما لا نعلم في ذلك خلافا؛ وذلك لأنه عوض في عقد معاوضة فوجب أن يكون معلوما كالثمن في البيع، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من استأجر أجيرا فليعلمه أجره . اهـ
وقد اختلف أهل العلم فيما هو الواجب في البناء الذي بناه أو الغرس الذي غرسه المستأجر بعد انتهاء مدة الإجارة، وقد لخصت الموسوعة الفقهية أقوال العلماء في ذلك مما يحسن إيراده هاهنا قبل ذكر ما يترجح لنا ويمثل البديل الشرعي للصورة المسؤول عنها ، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : فمن استأجر أرضا للبناء وغرس الأشجار ومضت مدة الإجارة لزم المستأجر أن يقلع البناء والغرس ويسلمها إلى ربها فارغة لأنه يجب عليه درها إلى صاحبها غير مشغولة ببنائه وغرسه؛ لأن البناء والغرس ليس لهما حالة منتظرة ينتهيان إليها، وفي تركهما على الدوام بأجر أو بغير أجر يتضرر صاحب الأرض فتيعين القلع في الحال إلا أن يختار صاحب الأرض أن يغرم له قيمة ذلك مقلوعا ويتملكه، وذلك برضى صاحب الغرس والشجر ، إلا أن تنقص الأرض بقلعهما فحينئذ يتملكهما بغير رضاه أو يرضى بتركه على حاله فيكون البناء لهذا والأرض لهذا لأن الحق له فله ألا يستوفيه هذا مذهب الحنفية. وعند الحنابلة يخير المالك بين تملك الغراس والبناء بقيمته أو تركه بأجرته أو قلعه وضمان نقصه ما لم يقلعه مالكه. ومثل ذلك مذهب الشافعية ، إلا إذا كان صاحب الأرض شرط القلع عند انتهاء المدة فإنه يعمل بشرطه. وعند المالكية يجبر صاحب الغرس على القلع بعد انتهاء المدة ويجوز لرب الأرض كراؤها له مدة مستقبلة . اهـ
والراجح لدينا -والله أعلم- وهو ما يمثل البديل الشرعي : أن يتم تأجير الأرض للبناء عليها مدة محددة بأجرة معلومة، ثم إذا انتهت مدة الإجارة يخير المالك بين تملك العمارة بقيمتها أو تركها بأجرة المثل أو هدمها وضمان قيمتها ما لم يهدمها المستأجر الذي بناها ، كما هو مذهب الشافعية والحنابلة ، وذلك لأن في إجبار المستأجر على هدم ما بناه دون تعويض له فيه إلحاق للضرر به بغير حق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس لعرق ظالم حق . رواه أحمد قال الشوكاني في نيل الأوطار : قال ربيعة : العرق الظالم يكون ظاهرا ويكون باطنا فالباطن ما احتفره الرجل من الآبار أو استخرجه من المعادن ، والظاهر ما بناه أو غرسه . وقال غيره : العرق الظالم من غرس أو زرع أو بنى أو حفر في أرض بغير حق ولا شبهة .
فمفهوم ذلك أن العرق الذي ليس بظالم كمن استأجر أرضا للبناء عليها وبنى عليها عمارة له حق، ولا يجوز الإضرار به ، وإلى نحو هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. فقد سئل رحمه الله عن رجل استأجر قطع أرض وقف وغرس فيها غراسا وأثمر ومضت مدة للإيجار، فأراد نظار الوقف قلع الغراس فهل لهم ذلك أو أجرة المثل ؟ وهل يثاب ولي الأمر على مساعدته ؟
فأجاب : ليس لأهل الأرض قلع الغراس، بل لهم المطالبة بأجرة المثل أو تملك الغراس بقيمته أو ضمان نقصه إذا قلع وما دام باقيا فعلى صاحبه أجرة مثله ، وعلى ولي الأمر منع الظالم من ظلمه .
والله أعلم .