أرشيف المقالات

اكتشاف البديهيات - حاتم أبو زيد

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .


بعد حادث الكنيسة الأخير طل علينا الجميع ليتحدث عن المؤامرة على مصر وخطط التقسيم إلى أربع أو ثلاث قطع: لإسرائيل سيناء وتمتد إلى الدلتا، وللنصارى من أسيوط حتى الإسكندرية مرورا بالفيوم، وللنوبة قطعة من جنوب الشلال الأول وحتى داخل الأراضي السودانية ويحصر المسلمون في منطقة الدلتا شرق النيل إلى أسفل.
وحسن جميل أن ننبه الناس؛ ولكن هل هذا اكتشاف؟! هذه المؤامرة موجودة منذ زمن منشورة ومقروءة منذ أكثر من عشرين عاما على الأقل وبنفس الصورة التي تحكى الآن، بما فيها مخطط تقسيم المملكة السعودية إلى خمس أو أربع دويلات.
ولكننا نتحدث اليوم وكأننا أمام اكتشاف!

لمن يريد أن يتأكد وبصورة سهلة وسريعة ليس عليه إلا أن يكتب على محرك البحث (برنارد لويس) ثم يفتح صفحته في الموسوعة الحرة ويكيبيديا.


وقد ذكر هذا اليهودي في كتابه (الشرق الأوسط والغرب): إن التغريب في المنطقة العربية، أدى إلى تفكيكها وتجزئتها، وأن هذا التفكيك السياسي واكبه تفكيك اجتماعي وثقافي، والواقع أن إلحاق المنطقة العربية بالغرب لم يكن ممكناً إلا من طريق تفكيكها وتجزئتها، ولو أعطيت لأي سياسي في العالم، مسألة يسألونه فيها أن يسعى إلى إلحاق المنطقة العربية بالغرب، لما اختار غير الأسلوب الذي اختاره الغرب فعلاً، وهو تفكيك المنطقة بالفتن الطائفية، والتفتيت الاجتماعي والثقافي، وافتعال الخصومات والفروقات، وتوسيع مواطن الاختلاف والمبالغة في إبرازها.

وليس من شك في أن من يسعى إلى هذا، يحزنه مشهد السلام بين الطوائف، ويسعده اندلاع التقاتل بينها، ولعل من يستبعد دور الغرب في إشعال فتيل هذا التقاتل، هو واحد من اثنين خادع أو مخدوع.
الجدير بالذكر أن كتابه هذا قد صدرت نسخته المترجمة عربيا في عام 1999م.

جنوب السودان: هل استيقظنا من النوم لنفاجأ بالاستفتاء على الانفصال، أم على الأقل كنا نعرف موعده من قبل سنوات ست حين عقد اتفاق نيفاشا، وأن مخططات الفصل كانت تفعل منذ ستينيات القرن الماضي على الأقل؛ إن لم نقل أنها منذ عهد حكومة بطرس باشا غالي صاحب محكمة دنشواي، والتي بدأت حين تخلى عن الأراضي المصرية التي كانت في أعالي النيل بأوغندا نعم في أوغندا، ثم ترك طواعية وبمحض إراداته إدارة السودان لبريطانيا التي عملت على فصل الجنوب.


الغرب منافق شرير غير شريف: ولهذا يكره المسلمون أمريكا، هل هذا يحتاج إلى زيادة شرح أو تأكيد؟
أمريكا التي ترعى دينها الوثني الذي تسمية الديمقراطية ما كان موقفها من تونس؟ أنشأت خارجيتها في تونس مركزا لدعم الديمقراطية وتفعيلها في الشرق الأوسط.
فهل الديمقراطية التي يدعمونها هي ديمقراطية الدكتاتوريات، الأمر لا يحتاج إلى كبير تعليق!

أمريكا: لأنها كانت تحتاج استقرارا في مصر لحين تمرير الاستفتاء السوداني، صمتت.
ولما انتهت حاجتها بدأت تبث مناخ عدم الاستقرار. والذي بدأ بحادث الكنيسة.
كما بدأت انجلترا في عام 1882م قبل احتلال مصر وكانت الحوادث بالإسكندرية أيضا.

فرنسا: ساركوزي الذي جاء يزني بعشيقته في مصر، احتج وسيطر عليه الغضب من أجل حادثة الإسكندرية، حسناً قتل الأبرياء لا يصح، ولكن يعرض هذا العاهر على الرئيس التونسي مد يد المساعدة من أجل قمع الثورة سحق شعب بأكمله.
فهل هذه هي المسيحية؟


الأمم المتحدة: في عام 1995م وقع تحت سمع وبصر أصحاب القبعات الزرقاء مذبحة سريبرنيتشا والتي تم فيها ذبح أكثر من ثمانية آلاف من المسلمين تحت مراقبتهم وحمايتهم وذلك على أيدي الصرب (النصارى الأرثوذكس) وعلى إثرها فر عشرات الآلاف أليس هذا قتل ديني وتطهير عرقي؟ مع هذا لم يتم دفع تعويضات لأهالي المسلمين.
الغرب كافر شرير ماكر منافق يكره المسلمين..
بديهية ما كنا بحاجة لسرد ما سبق، لو أننا نصدق كلام رب العالمين: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ } [ النساء :89]، { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ } [البقرة:217]، { يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ .
وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ }
[النساء:44-45].

باختصار هل آن الأوان لنكف عن النقاش في البديهيات على أنها اكتشافات، أم أننا سنستهلك الوقت في الرصد والتحليل الشجب والاستنكار حتى تقع الواقعة؟!

روى لنا المؤرخون أن التتار حينما دخلوا بغداد كان التتاري إذ قابل في الطريق مسلما قال له: قف مكانك حتى اذهب لآتي بالسيف لأقتلك، فكان المسلم ينتظر مكانه جامدا حتى يعود له التتاري فيقتله.
لا أظن ما نحن عليه الآن يختلف في شيء عن ذلك الحال، فمازلنا لا نبرح أماكننا منتظرين حدوث الحوادث، نتحدث عن المخططات دون أن نفكر في طرح رؤية إستراتيجية لصد تلك الهجمات التتارية، سقطت أفغانستان فالعراق ثم السودان، ولا يوجد لدينا رؤية للمستقبل غير الانتظار.


والسبب الرئيسي في تلك الحالة التي وصلنا لها هي حالة الفراغ الناتج بسبب الفزع الذي يعيش فيه الجميع وبلا استثناء؛ فالرؤوس العليا تخشى من أمريكا والغرب فلن تقدم ولن تأخر وليس بيدها شيء تفعله سوى الانتظار.
وما يطلق عليه النخبة المثقفة عادت ما تدري شيئا سوى مصالحها الضيقة فلا تملك أن تطرح حلولا ولا أن تقول شيئا سوى أن تمسك العصا من المنتصف في أحسن الأحوال.
فضلا عن أن الكثيرين منهم قد انزلق في دنيا النفاق فصار بوقا للمال الطائفي حتى تراه يحرض على الإسلام ذاته؛ بل وعلى السلطة والنظام لصالح الطائفية.
ورموز التغيير ما هم إلا صنائع غربية للقفز فوق لحظة غضب منفلت.
وهكذا أصابت الأمة حالة من التشرذم، فلا أحد يثق في أحد.


وهنا تبدو الحاجة لإخراج أهل العلم الشرعي من كهوف التغييب، ولا أظن أن المخلصين منهم يملكون فضيلة الصمت إلا مضطرين، وكما قال الإمام أحمد: إن سكت العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يظهر الحق.
قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } [آل عمران:187].

فالعلم الشرعي يستدعي من أهله العمل والاحتساب والدعوة إلى الله تعالى؛ إذ أنهم في الحقيقة أصحاب الدعوة الإصلاحية قال تعالى: { وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ } [الأعراف:170] فإن كان ذلك كذلك أسس ذلك العمل الرسالي لأصحابه سلطة روحية وأخلاقية، هي أقوى وأمتن من السلطة الزمنية في وقت الأزمات خاصة وأقدر على قيادة الجماهير قال تعالى: ﴿{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة:24].

فطلاب العلم الشرعي بمختلف تخصصاتهم ووظائفهم ينبغي أن يكونوا هم العمود الفقري لمثقفي الأمة، يشكلون رؤاها على وفق طروحات الشرع وصياغة أهدافها الكبرى، وبهذا يتحقق التفرد والقيادة للأمة جميعها. ودون ذلك فالمجهول.
{وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم } [محمد:38].
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١