أرشيف المقالات

الكلمة الطيبة صدقة

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه القاعدة مأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «والكلمة الطيبة صدقة» [1]، والصدقة في نظري: كلمة جامعة لكل خير، وشاملة لكل برٍّ، تدلُّ على صِدْق صاحبها وإخلاصه، لأجل أن تُقبل وتُؤتي ثمارها.

كنتُ أسير في أحد الشوارع، وغمزت بالإشارة إلى جهة اليسار، ولما رآني صاحب سيارة، كان يسير خلفي لكنه كان بعيدًا، وإذا به يزيد من سرعته؛ ليمنعني من الدخول جهة اليسار، وأنا حقيقة لم أبالِ به؛ لأنه كان بعيدًا عني -كما قلت- لكنه أخذ يؤشر بالأنوار الأمامية، ويضرب بالمنبه بشكل متواصل، وكأنني سددت الطريق عليه، مضيتُ في طريقي، فأخذ يلاحقني، وعلمت أنه يريد أن يقولَ شيئًا، حتى وصلت قريبًا من الإشارة، وتمنَّيتُ أن تُفتَح؛ حتى لا أقف بجانبه، ويكون هناك صراع بالألسن، لكن قدَّر الله أن الإشارة توقفت باللون الأحمر، فوقفت مضطرًّا، وقلت لنفسي: لا بد أن أهدأ، وأتصرف بأدب، وأتى بجانبي من الجهة اليمنى، وفتح نافذته وأنا أرقبه بطرف عيني، وأخذ يشير بيده إشارات، عرفت منها أنه غاضب، ويتكلَّم بكلام لا أفهمه، ففتحت نافذتي، وألقيتُ عليه السلام، وبسرعة قلت له: أسأل الله أن يغفر ذنبك ويُسعدك، ثم قلت له: سامحني وأنا أخوك، لقد أخطأت، فلما رأى ذلك، قال: أنت مثل والدي، وعلى رأسي، وأشار بيده إلى رأسه، وأخذ يقول كلمات جميلة، ويؤمِّن على دعائي.

• إن الألفاظ الجميلة، والعبارات اللطيفة: لها وقع عظيم على النفوس، بل وهي عبادة تتقرَّب بها إلى الله، كما في الحديث السابق؛ فهي صدقة على نفسك، وصدقة مُتَعَدٍّ نفعُها إلى غيرك.

• جلست مع أحد الزملاء، ولأول مرة ألتقي به، وتحدثنا عن العلم وفضله، وهو في الأربعينات، ومتزوج، وله عدة أبناء، وفي وظيفة طيبة، ويقرأ على الناس، وقد نفع الله به الكثير، وسألته عن دراسته وإذا به قد توقَّف عند الثانوية ولم يُكمل، فحثثته على إكمال تعليمه الجامعي، خاصة أن عمله يسمح له بذلك، ولديه القدرة المطلوبة، والهمة المنشودة، لكنه تعذَّر بانشغاله، وأنه سينقطع عن القراءة ونفع الناس، فقلت له: قبل وقت الاختبارات ضع إعلانًا بالتوقُّف إلى التاريخ الذي تنهي فيه الاختبارات، لا سيما أن الدراسة عن طريق الانتساب وموقع الجامعة في الشبكة العنكبوتية، فلم يعجبه كلامي ساعتها، ولكن بعد أسبوع أو أسبوعين، التقيتُ به وتحدثنا عن العلم، وأعطيته جرعات تحفيزية، وكلمات تنشيطية، وإذا بالله سبحانه يفتح صدره لإكمال الدراسة، بل وطلبَ مني أن أكتب له ورقة بخطي؛ فيها اسمه ثلاثيًّا، وقبلها حرف دال، وكتبنا السنة التي سيصبح فيها حاصلًا بإذن الله على شهادة الدكتوراه، وها هو الآن قد أنهى البكالوريوس بفضل الله سبحانه، والتحق بالجامعة لإكمال الماجستير، وعنده همَّة عالية إلى الدكتوراه، وهو في الخمسين من عمره.

إبذل الكلمة الطيبة، ولا تقف تنتظر ثمرتها الآنية؛ فقد تراها في وقتها، وقد يبدو صلاحها بعد؛ فأنت مأجور غير مأزور بإذن الله تعالى.


الخاتمة:
أختم ورقات هذا الكتاب، بهذه الكلمات:
[1]- إن قواعد التعامل مع الآخرين كثيرة، ولكني رأيت أن هذه القواعد من الأهمية بمكان.
[2]- لا مانع من تطبيق هذه القواعد في الحياة، فإن نتائجها إيجابية وطيِّبة.
[3]- من الأمور المهمة التي لا بد منها: استحضار النية في كل عمل نقوم به؛ حتى نُؤجر ونثاب من الله سبحانه.
[4]- ضع لك بصمة تعيد مجد الأمَّة؛ من خلال تعاملك الراقي، وحسن أخلاقك مع الآخرين.
[5]- عوِّد لسانك على الكلمات الجميلة، والعبارات الرائعة، فلن تخسر أبدًا بإذن الله.
[6]- لا تتردَّدْ في تدريب نفسك على الابتسامة، واجعل أوَّل من يفوز بها منك هم أقرب الناس إليك.
 
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


_____________________
[1]- صحيح البخاري [2707]، صحيح مسلم [1009].
 
د.
إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣