عنوان الفتوى : التصويت في الانتخابات والترشيح لها.. رؤية سياسية شرعية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

لمَّا سُئِلَ شيخنا ابن عثيمين عن حكم دخول الانتخابات، أجاب بكون ذلك واجبًا تقليلًا للشرِّ، ومحاربةً للفساد ـ فإذا كنت ممَّن يُقَلِّدون الشيخ ـ رحمه الله ـ ولكنِّني بعدما رأيت أمامي التَّجارب الديمقراطيَّة، الَّتي سعى من خلالها الإسلاميون لدفع الشُّرور ومحاولة الإصلاح، اتَّضح أنَّها جميعًا باءت بالفشل الشَّديد الواضح، وأنَّ الديمقراطيَّة لن يأتي من ورائها إصلاحٌ أو خير، فهل يجوز لي مخالفة شيخي في ذلك، وعدم تقليده في هذا القول، ورفضي المشاركة في أي انتخاباتٍ قادمةٍ ـ وإن كان فيها ممثلون لأحزابٍ إسلاميَّةٍ ـ ورفضى أيضًا انتخاب أي من المرشحين ليس بناءً على اتِّباع هوىً أو غيره، ولكنَّه بالنَّظر للواقع المُشَاهَد الَّذي لا يخفى على أحد؟.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق لنا التنبيه مرارا على أن هذه المسألة وغيرها من مسائل السياسة الشرعية المتعلقة بالواقع المتغير: من مسائل الخلاف المعتبر، والتي هي محل نظر واجتهاد، وأن الحكم فيها يختلف من زمان إلى زمان، ومن حال إلى حال، بحسب الواقع وما يؤول إليه النظر من تحصيل أعلى المصلحتين، ودرء أعظم  المفسدتين، عند التعارض، والقول في ذلك بعيد عن القطع والتعميم، وإنما هو اجتهاد ومقاربة، هذا أولا..

وأما ثانيا: فالشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ لم يتفرد بهذه الفتوى، بل شاركه علماء كبار من المعاصرين، وعلى رأسهم علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ـ الشيخ ابن باز، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ ابن غديان، والشيخ ابن قعود ـ حيث سئلوا: هل يجوز التصويت في الانتخابات والترشيح لها، مع العلم أن بلادنا تحكم بغير ما أنزل الله؟ فأجابوا: لا يجوز للمسلم أن يرشح نفسه رجاء أن ينتظم في سلك حكومة تحكم بغير ما أنزل الله، وتعمل بغير شريعة الإسلام، فلا يجوز لمسلم أن ينتخبه أو غيره ممن يعملون في هذه الحكومة إلا إذا كان من رشح نفسه من المسلمين ومن ينتخبون يرجون بالدخول في ذلك أن يصلوا بذلك إلى تحويل الحكم إلى العمل بشريعة الإسلام، واتخذوا ذلك وسيلة إلى التغلب على نظام الحكم، على ألا يعمل من رشح نفسه بعد تمام الدخول إلا في مناصب لا تتنافى مع الشريعة الإسلامية. اهـ.

وراجع للفائدة الفتويين رقم:  18315، ورقم: 5141.

وراجع في نص كلام الشيخ ابن عثيمين الفتويين رقم: 163601، ورقم: 134999.

وثالثا: الواقع الذي يشير إليه الأخ السائل، والفشل الذي يصفه، لم يأت من مجرد المشاركة في الانتخابات، وإنما له أسباب أخرى ليس هذا محل ذكرها، وقد كان يمكن أن يكون مثل هذا الفشل أو أشد منه، ولو لم تحصل المشاركة.
وأخيرا ـ وهو جواب سؤالك ـ أن من كان يقلد واحدا من أهل العلم، فظهر له في مسألة أن قول غيره من أهل العلم أقرب إلى الصواب، من غير تشهٍ ولا اتباع للهوى، فلا حرج عليه أن يقلد هذا الآخر، ما دام يعتقد أن قوله أرجح، وأن اجتهاده أقرب لموافقة أدلة الشرع، وراجع الفتوى رقم: 341857.

والله أعلم.