تاريخ نيجيريا رؤية أخرى تعقيب على مقال أحداث نيجيريا
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
متابعات
تاريخ نيجيريا
رؤية أخرى
تعقيب على مقال أحداث نيجيريا
إبراهيم محمد نتعالى
فقد قرأت في مجلتكم في عددها المائة والخمسين (150) ، ص 122 مقالة
بعنوان: (الأحداث الأخيرة في نيجيريا الخلفيات والحقائق) بقلم بلال عبد الله،
وهي مقالة رائعة في عمومها وجديرة بالنشر في مضمونها؛ حيث احتوت على
كثير من المعلومات الصادقة عن نيجيريا بدءاً بتاريخ خروج المستعمرين منها
وانتهاءاً بما قام به النصارى الحاقدون قبيل حج هذا العام من شغب عنيف في مدينة
كدونا حرسها الله.
بيد أن مقدمة المقالة تحتوي على أخطاء تاريخية فادحة وخصوصاً فيما يتعلق
بحديث الكاتب عن كبريات قبائل نيجيريا، ولهذا أردت التنبيه إلى هذه الأخطاء
وتصحيحها؛ لكي تكتمل فائدة المقالة، فأقول وبالله التوفيق:
قوله: «والنيجيريون عدة قبائل هي ... » ثم ذكر خمس قبائل فقط وهذا خطأ؛ لأن قبائل نيجيريا تربو على ثلاثمائة قبيلة لكل منها لغة مستقلة، علماً بأن بعض هذه القبائل صغير جداً؛ حيث لا يتجاوز أفرادها خمسين ألفاً أو يزيد بقليل. بيد أن القبائل الرئيسة تتمثل في خمس قبائل وهي: هوسا، ويوربا، وإيبو، وفُولْبِي (فلاتة) ، وكانوري.
وتتمركز قبيلة هوسا في شمال البلاد، ويوربا في الجنوب الغربي من البلاد، وإيبو في الجنوب الشرقي، وفولبي في شمال البلاد ويوجد لها أفراد من الرُّحَّل أصحاب المواشي في جميع مناطق البلاد.
وأما قبيلة كانوري فتتمركز في شمال البلاد وخصوصاً في الشمال الشرقي. قوله: «الإيبو في الشرق وهم بالنسبة لليوربا متخلفون» أقول: إطلاقه (الإيبو في الشرق) خطأ وإنما هم في الجنوب الشرقي.
وقوله: (وهم بالنسبة لليوربا متخلفون) وهذا خطأ أيضاً؛ لأن إيبو لا يوصفون بالتخلف مقارنة مع يوربا من النواحي الحياتية: الاجتماعية والاقتصادية والمهارات المهنية والسياسية، بل وحتى من الناحية التعليمية والثقافة الغربية، رغم كل ما ذاقوه من مرارة الهزيمة في الحرب الأهلية، بل لو قال قائل عكس المذكور لكان أقرب إلى الصواب. قوله: (وأسلم لله الإيبو، لكن لم يجدوا من يعلمهم الدين الصحيح سوى الصوفية من القادرية والتيجانية) أقول والحق يقال: إن قبيلة إيبو إلى الآن وللأسف الشديد لم يعتنق الإسلام منها سوى نزر يسير، وليس من الصواب أن يقال: إن هذا النزر إنما دخل الإسلام على أيدي المتصوفة، بل يمكن القول: إن معظم من اعتنق الإسلام منها إنما اعتنقه على أيدي غيرهم من السلفيين وجمهور المسلمين. وقوله: (والهوسا وأكثرهم في الشمال وهم ليسوا جنساً قائماً بذاته إنما هو اصطلاح لغوي يطلق على الشعوب التي تتكلم لغة الهوسا، وكانوا وثنيين قبل أن يتحولوا إلى الإسلام على يد الفولانيين، وهم عدة إمارات يحكمها ملك أو أمير يعاونه بعض الوزراء، وهم يعملون بالتجارة لكنهم متأخرون، وتنتشر بينهم الصوفية التي ترى إبقاء التصوف سائداً بينهم لتضمن انقيادهم لها) . قوله: (وهم ليسوا جنساً قائماً بذاته إنما هو اصطلاح لغوي يطلق على الشعوب التي تتكلم لغة الهوسا) أقول: هذا كلام يجانبه الصواب؛ فإن قبيلة هوسا قبيلة معروفة قائمة بذاتها متماسكة الأطراف ذات لهجات متقاربة جداً بخلاف غيرها من القبائل المذكورة كقبيلة يوربا، وفولبي (فلاتة) فإن بعض لهجات هاتين القبيلتين غير مفهومة عند بعض أفرادهما لشدة تباينها.
وأظن أن الذي يحمل بعض من لم يعرف عن قبيلة هوسا سوى اليسير على هذه الدعاوى هو كون لغة هوسا هي اللغة المهيمنة في شمال نييجيريا، بل وفي معظم مناطق نيجيريا رغم ما يشاهد من بعض المقاومة من هنا وهناك في بعض الولايات، وكذلك هيمنتها في جمهورية النيجر وفي مناطق شاسعة في كثير من دول غرب إفريقيا ووسطها؛ ذلك لأنها لغة سهلة جداً تشبه في سهولتها اللغة السواحلية المنتشرة في شرق إفريقيا وبخاصة في جمهورية تنزانيا، وكينيا، ويوغندا. وقوله: (كانوا وثنيين قبل أن يتحولوا إلى الإسلام على يد الفلانيين) لا أدري ما مراد الكاتب بذلك؟ وهل أراد أنهم كانوا وثنيين قبل مئات السنين ثم اعتنقوا الإسلام فيما بعد، أو أنهم لم يعتنقوا الإسلام إلا في وقت متأخر كغيرهم من بعض الشعوب المجاورة؟ فإن أراد الأول فذلك صحيح، وإن أراد الثاني فقد جانب الحق؛ لأن قبيلة هوسا كانت قد قبلت الإسلام منذ مئات السنين ولها إمارات عديدة مشهورة يقودها أمراء مسلمون هوساويون، وقد كان بين هؤلاء الأمراء وخصوصاً أمير (كانو) وأمير (كستنا) وبين بعض العلماء الأجلاء في العالم الإسلامي كالشيخ العلامة جلال الدين السيوطي والشيخ العلامة المغيلي مراسلات، ومن المعروف أن العلاَّمة السيوطي توفي سنة 911هـ. وقوله: (قبل أن يتحولوا إلى الإسلام على يد الفلانيين) أقول: إن هذا الإطلاق ليس بجيد، صحيح أن قبيلة هوسا استفادوا من بعض علماء فولبي (فلاتة) لكن لا يقال إنهم أسلموا على يد فلاتة، والصحيح أن يقال إن الإسلام دخل بلاد هوسا من جهتين رئيستين: الجهة الشرقية على يد كانوري قادة دولة بورنو، والجهة الشمالية على يد الونغريين (بمبرا) وفولبي (فلاتة) والذين جاؤوهم من بلاد مالي وما جاورها.
وأظن أن سبب هذه المغالطات من بعض من ليس له إلمام كاف بتاريخ المنطقة هو ظنهم أن قبيلة هوسا إنما أسلمت على يد الشيخ العلاَّمة المجدد عثمان بن فودي إبان جهاده ضد الخرافات والخزعبلات والبدع المنتشرة في بلاد هوسا، ولم يعرفوا أن جهاد الشيخ عثمان بن فودي متأخر جداً عن دخول الإسلام في بلاد هوسا. وقوله في قبيلة هوسا: (وتنتشر بينهم الصوفية) أقول إن هذا القول ليس بشيء؛ لأن انتشار الصوفية للأسف الشديد ليس حكراً ولا قصراً على أوساط قبيلة هوسا وبلادهم، وإنما هو ظاهرة عمت بها البلوى في معظم الدول الإسلامية، ولك أن تنظر إلى بلاد مصر ودول المغرب العربي. قوله: (الكانوري: في الشمال وهي قبائل متمسكة بدينها ولها طلاب يدرسون في الأزهر وهم خليط من العرب والحاميين والزنوج، ومن أشهر قادتهم الداعية الإسلامي المعروف: عثمان بن فودي) .
قوله: (ولها طلاب يدرسون في الأزهر) أقول هذا الوصف لا تتميز به قبيلة كانوري عن غيرها من معظم القبائل المذكورة وعليه فلا فائدة في ذكره. قوله: (ومن أشهر قادتهم الداعية الإسلامي المعروف: عثمان بن فودي) أقول: لست أدري كيف حصل هذا الغلط الفاحش من الكاتب؟ فإن الداعية المصلح عثمان بن فودي من قبيلة فولبي (فلاتة) وليس من قبيلة كانوري، بل إن جهاده ضد الخزعبلات قد هدد دولة كانوري بالزوال حيث انتزع منها أطرافاً شاسعة. وقوله: (والفلاني وهم أصلاً من صعيد مصر وفدوا لتلك المناطق وحكموا مملكة تكرور) قوله: (وهم أصلاً من صعيد مصر) أقول قد سئمنا من مثل هذه الدعاوى: أن فلاتة من صعيد مصر أو فارس (إيران وما جاورها) وأن يوربا وكانوري من اليمن، وأن هوسا من القرن الإفريقي (إثيوبيا وما جاورها) وكأن البشر لا يقام لهم وزن إلا إذا اتصلت أصولهم بهذه المناطق المذكورة!