أرشيف المقالات

تذوق المعاني - [6] الحمد لله رب العالمين

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الحمد فى اللغة معناه الثناء الكامل، وهى بذلك تعنى نسبة جميع صفات الكمال لله وحده، ولا يحد وصفه بحميد الصفات حدود، وكل صفات الكمال لديه لا تشوبها شائبة، فأنت تمدح المخلوق لصفة فيه لكنه لا يبلغ فيها الذروة، فصفة حميدة لديه لكنها محدودة، والله سبحانه وتعالى يجمع كل صفات الكمال، وأما المخلوق فنصفه ببعض الصفات الحميدة وليست كلها، فهناك طلاقة فى كمال الصفات كمًّا وكيفًا؛ فالمولى عز وجل تجمع ذاته كل صفات الكمال وبشكل مطلق.وإذا ضربنا مثلًا بصفة الكرم، نرى أنه سبحانه يحب أن يسأله العبد، بل أن يُلِح في مسألته، بل بغضب إن لم يسأل قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60].
 قوله سبحانه وتعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}؛ فمن حديث أبي هريرة  قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة: 2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي»(مسلم، صحيح مسلم، برقم:[395​]).وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها»(مسلم، صحيح مسلم، رقم:[2734]).

وقال الحسن: "ما من نعمة إلا والحمد لله أفضل منها".

وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ»(ابن ماجة، السنن؛ برقم: [ 3805]) وفي نوادر الأصول عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن الدنيا كلها بحذافيرها بيد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله لكانت الحمد لله أفضل من ذلك»، قال أبو عبد الله: "معناه عندنا أنه قد أعطي الدنيا، ثم أعطي على أثرها هذه الكلمة حتى نطق بها، فكانت هذه الكلمة أفضل من الدنيا كلها، لأن الدنيا فانية والكلمة باقية، هي من الباقيات الصالحات، قال الله تعالى: {وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف من الآية:46]".وقيل في بعض الروايات: لكان ما أعطى أكثر مما أخذ، فصير الكلمة إعطاء من العبد، والدنيا أخذًا من الله، فهذا في التدبير.
كذاك يجري في الكلام أن هذه الكلمة من العبد، والدنيا من الله، وكلاهما من الله في الأصل، الدنيا منه والكلمة منه، أعطاه الدنيا فأغناه، وأعطاه الكلمة فشرفه بها في الآخرة.وروى ابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم: «أن عبدًا من عباد الله قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها، فصعدا إلى السماء وقالا: يا ربنا إن عبدك قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله عز وجل وهو أعلم بما قال عبده: ماذا قال عبدي، قالا: يا رب إنه قد قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها»(ابن ماجة، السنن؛ برقم: [3801]).
وروي عن مسلم عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الايمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملان -أو تملأ- ما بين السماء والأرض»(مسلم، صحيح مسلم؛ برقم: [223])، وذكر الحديث.والله تعالى قد حدد لنا صيغة الحمد لما يوجد بين الناس من اختلاف فى قدرات عن التعبير عن الشكر، والبشر عمومًا عاجزون عن شكر الله كما ينبغى له إذ أن العقل عاجز عن إحصاء وإدراك نعمه لذا قال صلى الله عليه وسلم: «لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»، في جزء من حديث روته أم المؤمنين عائشة رضىي الله عنها؛ (مسلم، صحيح مسلم، برقم: [486]).ولعظم فضل الحمد عند الله جعله مستحبًا عند الدعاء فيستهل به الأدعية بل تستهل به الأمور كلها بعد البسملة.وهو أعمق من الشكر، فأنت تشكر على النعمة وتشكر على ما يعقبها من سراء، فى حين أن الحمد يكون فى السراء والضراء، أى أن الحمد يكون كذلك عن النعم المستترة التى لم يكشف لك عنها، وهذا هو اليقين بحكمة الله فكل ما يقدره الله للإنسان خير حتى وإن كرهه ذلك، وبهذا فالحمد يرد الأمر لله الذى لا يريد للمخلوق إلا الخير.كذلك أنت تحمد الذات الإلهية أما المخلوق فتشكره لأن من قدم لك معروف تشكره ولكن لا يجوز أن تحمده كما تحمد الله المنزه.الحمد الحقيقى تعبير قولى عن شعور داخلى بالرضا، والامتنان وكثرة مدح الله مطلوب بإكثار الحمد، أما كثرة مدح المخلوق مذمومة والحمد يتجاوز بالاهتمام من النعمة إلى المنعم ومن فوائد الحمد أنه يضمن عدم زوال النعمة.وكل لحظة فى حياة الإنسان تستوجب الحمد منذ استيقاظه وحتى منامه بدءًا من اللحظة التى رد الله إليه روحه عند استيقاظه وأمده بالقدرة على الحركة والسعي وأمده بالرزق.{رَبِّ الْعَالَمِينَ}: الرب هو الخالق الراعى القيم الذى يحيط عباده بالحفظ والرعاية والحماية وجلب الرزق.{الْعَالَمِينَ}: أى العوالم كلها؛ عالم الإنس، عالم الجن، عالم الطيور، عالم النبات وغيرها.العوالم الآخرى دون الجن والإنس تضيق ذرعاً بتقصير بنى آدم في حمده وشكر نعمته قال تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء من الآية:44].


شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢