عنوان الفتوى : حكم الدخول في أحزاب سياسية والاشتراك في المظاهرات السلمية
أرجو أن تكونوا مطلعين على الأحوال فى مصر، وباختصار هي مجلس عسكرى يحكم، وقد أجاز تكوين الأحزاب بشرط ألا تكون دينية بمعنى ألا يمنع من دخول غير المسلمين إلى حزب ما على أساس أنه غير مسلم، والبلد بها تيار علماني وليبرالي قوي ماديا وإعلاميا يحاول طمس الهوية الإسلامية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب على جميع عباد الله أن يكونوا خاضعين لله في جميع شُعَب حياتهم جاعلين حياتهم ومماتهم لله، ومن ثم فيجب أن تكون الأحزاب ذات مرجعية إسلامية .
وعلى العاملين للإسلام أن لا يكونوا متفرجين على ما يحدث في الساحة التي يعيشون بها، بل يتعين عليهم السعي في الدعوة والعمل من أجل الإسلام ونفع الأمة وتعليم الناس، وإقامة الإسلام وتطبيقه في مجالات الحياة، وجمع كلمة المسلمين، وعليهم اتباع الوسائل الشرعية لتحقيق تلك المقاصد، وعلماء كل بلد أولى بالرجوع إليهم لمعرفة ما يتناسب مع واقعهم من وسائل الدعوة والتغيير، وعليهم أن يتعاونوا على الحق ويتحدوا عليه، فإن ذلك من الواجبات التي أمر الله بها في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حيث يقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. {المائدة:2}. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح .
فالواجب السعي في تحقيق عبادة الله تعالى وتوحيد الناس له وخضوعهم لحكمه في جميع المجالات، ومن أهم ذلك حكم البلد بما يرضي الله حتى تصلح أحوال أهله في الدنيا والآخرة، ولا يتم ذلك إلا إذا حكم بالشرع اتباعا لسياسة الأنبياء وخلفائهم. ورحم الله ابن خلدون حيث فرَّق في مقدمته بين الملك والخلافة فقال: الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار، والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به، فافهم ذلك واعتبره فيما نورده عليك من بعد. اهـ.
وأما عن دخول المجالس التشريعية فإن المشاركة في ذلك مبناها على فقه المصالح والمفاسد، فمتى غلب خيرها على شرها رجح دخولها، ومتى غلب شرها خيرها رجح تركها، ومرد هذا الأمر إلى أهل العلم في كل بلد، فإنهم أدرى بملابسات بلادهم، وإذا كان الدستور الذى يحكم الآن به يحوي مادة تفيد أن الشريعة الاسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع وقد فسرت المحكمة الدستورية وهى المحكمة المختصة بتفسير الدستور بأنه بهذه المادة لا يحق للمجلس التشريعى أن يشرع مادة مخالفة للشريعة الاسلامية - فلا شك أن الأولى مشاركة أهل الدين والخير في ذلك حتى يتحقق ما أقره الشرع من كون الحكم لله، وأن التشريع المطلق -تحريماً وتحليلاً وتشريعاً- إنما هو حق خالص لله تعالى.
فقد قال الله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ {يونس:59}
وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه {الشورى:21}
وقال الله تعالى: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً {الكهف:26}
وقال سبحان: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ {يوسف:40}
وقال سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. {المائدة:50}
والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً.
وأما عن اختيار أحد المرشحين فالواجب هو اختيار أفضل الموجودين من ناحية الدين والأمانة وخدمة المجتمع.
فقد سئل الشيخ العلامة ابن العثيمين رحمه الله في لقاءات (الباب المفتوح): ما حكم الانتخابات الموجودة في الكويت، علماً بأن أغلب من دخلها من الإسلاميين ورجال الدعوة فتنوا في دينهم؟ فأجاب بقوله: أنا أرى أن الانتخابات واجبة، يجب أن نعين من نرى أن فيه خيراً؛ لأنه إذا تقاعس أهل الخير من يحل محلهم ... اهـ.
وقد سبقت لنا فتوى حول دخول الانتخابات بنية تحقيق المصلحة الشرعية وهي برقم: 5141وفيها يجد السائل بعض النقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامتين السعدي وابن باز.
كما سبق لنا بيان حكم المظاهرات بضوابطها في الفتاوى التالية أرقامها:
58435844، 15749.
والله أعلم.