عنوان الفتوى :
أرسلت قبل فترة قصة لصديقي أن أخويه الأكبر منه يزنيان بأمه برضاها، وواحد قد تزوج، والآخر ما زال يمارس الفاحشة، فهل يعتبر صديقي ديوثًا؟ وماذا على صديقي أن يفعل؛ لكي لا يكون ديوثًا؟ وماذا عليه أن يفعل في هذه الحالة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه القصة التي نسبتها إلى صديقك وبعض أفراد أسرته متضمنة أمورًا فظيعة، يستبعد عادة صدورها عن أشخاص عقلاء أسوياء، ينتمون إلى الإسلام، ويعلمون حرمة وقبح الزنا بالمحارم، لا سيما بالأم، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن الكلام في أعراض الناس، والخوض فيها بلا بينة أمر عظيم، روى البخاري ومسلم عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا...الحديث.
وفي سنن أبي داود عن أبي برزة الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم، يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته.
فيجب الحذر من التعرض للكلام في الأعراض؛ لأن هذا أمر خطير، قد يستوجب حد القذف، وراجع فيه الفتوى رقم: 211225.
وعلى تقدير أن هذه الواقعة قد حدثت فعلًا نقول: الديوث في عرف الشرع الرجل الذي يرتضي الفاحشة في أهله، فهو لا يغار على عرضه، جاء في الموسوعة الفقهية في تعريف الديوث: وَفِي اصْطِلاحِ الْفُقَهَاءِ عُرِّفَتِ الدِّيَاثَةُ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، يَجْمَعُهَا مَعْنًى وَاحِدٌ لا تَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ عَدَمُ الْغَيْرَةِ عَلَى الأَهْلِ وَالْمَحَارِمِ. اهـ.
فإن كان صديقك يقرهم على هذا المنكر، فهو ديوث قطعًا.
وإن كان لا يقرهم على ذلك، بل يكرهه، وينكر عليهم حسب استطاعته، فليس بديوث، ويجب على صديقك بذل النصح لهذين الأخوين، ودعوتهما إلى التوبة، فإن تابا فالحمد لله، وإلا فليهجرهما إن رجا أن ينفعهما الهجر، وتراجع الفتوى رقم: 21837.
وعليه؛ أن يبذل النصح لأمه أيضًا، ويذكرها بالله عز وجل في غير تعنيف، فإن تابت إلى الله فبها ونعمت، وهو المطلوب، وإن استمرت على ما هي عليه، فمن أهل العلم من ذهب إلى جواز هجر الأم للمصلحة الشرعية، سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: هل يجوز الهجر للوالدين المسلمين إذا كان في مصلحة شرعية؟
فأجاب: نعم إذا كان في هجر الوالدين مصلحة شرعية لهما، فلا بأس من هجرهما، لكن لا يقتضي ذلك منع صلتهما، صلهما بما يجب عليك أن تصلهما به، كالإنفاق عليهما، في الطعام والشراب والسكن وغير ذلك. اهـ.
ونوصي بكثرة الدعاء لهم بخير أن يلهمهم ربهم رشدهم، ويقيهم شر أنفسهم وسيئ عملهم.
والله أعلم.