عنوان الفتوى : إرشادات في كيفية تعامل الولد مع والده المناصر للمبتدعة
والدي رجل مسن، لكنه بكامل عقله وقدرته، وهو مناصر للنظام السوري وللمبتدعة.... ويختلف معنا في الرأي، ولا يتركنا في حالنا ودائما يناقشنا ويريد أن يقنعنا، وغالبا نتجاهل نقاشه... وقد أصبح يقنعنا بأعمال المبتدعة ومناقضة سورة التوبة، كما يقول عن نفسه إنه بدعي وكلما دعوته لزيارة بيتي وقعت بيننا مشكلة... وقد حلف بطلاق أمي ثلاث مرات، وهو لا يعترف بالعدد في الطلاق.... فقررت أن لا أدعوه إلى بيتي تجنبا للمشاكل معه، وأكتفي باللقاء معه خارج بيتي، حيث لا يستطيع مناقشتي والجدال معي، فهل أنا عاقة؟ وماذا يجب علي تجاهه، مع العلم أنه يكره زوجي بشدة، لأنه من جوبر، وهي البلدة التي تقهر النظام، ولأنه يعارضه في أفكاره؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرت عن والدك جملة من الأفكار السيئة ونصرة أو اعتناق العقائد الباطلة والتصرفات القبيحة، فإن ثبتت عنه فهو على خطر عظيم، ومع هذا يبقى والدا يجب عليك بره والإحسان إليه، لأن ذلك مما يجب بكل حال، وراجعي الفتوى رقم: 299887، وقد أوضحنا فيها أنه لا مؤاخذة في مجرد الكره القلبي له بسبب هذه المنكرات، ولكن يجب الحذر من أن تصدر أي إساءة له، لأن ذلك يؤدي إلى العقوق.
وليس من العقوق عدم دعوتك له إلى بيتك حذرا من حصول المشاكل، وهنالك كثير من الأبواب التي يمكن أن تتحقق بها الصلة، ذكرنا بعضها في الفتوى رقم: 234154.
واعلمي أن من أعظم البر والصلة بوالدك سعيك في إصلاحه، ومما يعينك على ذلك صبرك عليه ودفع إساءته بالإحسان، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.
قال ابن كثير: وقوله: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ـ أي: فرق عظيم بين هذه، وهذه: ادفع بالتي هي أحسن ـ أي: من أساء إليك، فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر رضي الله عنه: ما عاقبت من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه ـ وقوله: فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ـ وهو الصديق، أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك... اهـ.
واحرصي على الدعاء له، ولا تيأسي أبدا، فمن أمر بالدعاء وعد بالإجابة، كما قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.
ولتنظري آداب الدعاء في الفتوى رقم: 119608.
ومن المهم الاستمرار في النصح ما رجي أن ينفع النصح، وربما إذا أتى النصح من غيرك ممن له مكانة عنده كان أجدى وأنفع، وإذا خشيتم أن لا يجدي نفعا، وربما زاده عنادا، فالأولى تركه، قال الله تبارك وتعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى {الأعلى:9}.
جاء في تفسير السعدي لهذه الآية قوله: فذكر بشرع الله وآياته إن نفعت الذكرى، أي: ما دامت الذكرى مقبولة والموعظة مسموعة ـ سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه ـ ومفهوم الآية: أنه إن لم تنفع الذكرى ـ بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير ـ لم تكن الذكرى مأموراً بها، بل منهياً عنها. اهـ.
وقال ابن تيمية في كتاب الاستقامة: ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله وزوال فعل الحسنات. اهـ.
فابذلي جهدك معه وتلطفي به، لا سيما وأنه مسن -كما ذكرت- عسى الله أن يجعلك سببا لهدايته، فتفوزين بسعادة الدارين، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت:33}.
وروى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه حين بعثه إلى خيبر: فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم.
ولمعرفة حكم الحلف بالطلاق وما يترتب عليه راجعي الفتوى رقم: 11592.
والله أعلم.