عنوان الفتوى : درجات صلة الرحم
بالنسبة للمسلم الذي يعيش في الغربة، وأقصد تحديداً الذي لا يزال لم يعمل بعد، ولا دخل له ينفق منه على نفسه، أي أن هناك من يعيله، ومثال ذلك الطالب. هل يجب عليه - أقصد وجوباً شرعياً يأثم إذا تركه أو قصر فيه - أن يتواصل مع جميع أهله وأقاربه، ومنهم الأجداد والجدات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات (لأني حسبما فهمت أن هؤلاء هم الأرحام الذين نحن مأمورون بصلتهم إلى جانب الوالدين، والإخوة والأخوات طبعاً، حسب قول أكثر العلماء في تحديدهم)؟ وماذا لو كان الأهل والأقارب لا يسألون عنه البتة، لا لوجود مشكلة بينهم، ولكن التواصل مفقود تماماً أو شبه مفقود، فكل واحد عنده مشاغله؟ وماذا لو كان التواصل معهم مكلفاً لكثرة عددهم، وغلاء أسعار المكالمات مثلاً. فهل يجب أيضا التواصل حسب الاستطاعة أم يتواصل كل فترة مع واحد منهم، أو يتصل بشخص واحد من العائلة ويطمئن على الجميع من خلاله، ثم يوصل السلام إلى الجميع عن طريق هذا الشخص؟ وإذا كان يجب عليه التواصل فهل يجب أن يقوم به بصورة دورية أم يجوز أن يفعل ذلك على فترات متباعدة كل بضعة شهور أو في المناسبات مثلاً؟ وجزاكم الله تعالى خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبهك أولا إلى أن الفقهاء قد اختلفوا في ماهية الرحم الواجب صلتها، ويمكنك مراجعة خلافهم في الفتوى رقم: 11449.
وقد أمر الله سبحانه بصلة الأرحام، فقال سبحانه: وَاتقوا اللهَ الذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأرحَامَ {النساء: 1}، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ {الرعد:21}، وفي الحديث: من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه. رواه البخاري ومسلم.
وبما أن الشارع لم يبين مقدار صلة الرحم ولا جنسها، فالرجوع فيها إلى العرف، فما تعارف الناس عليه أنه صلة فهو الصلة، وما تعارفوا عليه أنه قطيعة فهو القطيعة.
قال ابن تيمية رحمه الله: فما له حد في الشرع أو اللغة رجع في ذلك إليهما، وما ليس له حد فيهما رجع فيه إلى العرف. انتهى من الفتاوى الكبرى.
ولا يناط واجب الصلة بما إذا كان الأهل والأقارب يسألون عن الشخص أو لا يسألون؛ فقد روى البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
ولا يمكن تحديد هذا الواجب بأن يفعل بصورة دورية أو أن يفعل على فترات متباعدة أو غير ذلك...، وإنما هو منوط بالاستطاعة؛ إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فإذا كنت عاجزا عن صلة كل أرحامك أو بعضهم بشيء من وجوه الصلة بالمال، أو بالزيارة، أو بالمهاتفة، فما عجزت عنه من ذلك فهو ساقط عنك، ولا إثم عليك في ذلك حتى تستطيع.
قال القاضي عياض: وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلاً. انتهى.
وقد سئل الشيخ ابن باز- رحمه الله- عن شاب لا تسمح ظروفه بصلة رحمه.
فأجاب: صلة الرحم واجبة حسب الطاقة الأقرب فالأقرب، وفيها خير كثير، ومصالح جمة، والقطيعة محرمة، ومن كبائر الذنوب.
وقال أيضا: والواجب عليك صلة الرحم حسب الطاقة، بالزيارة إذا تيسرت، وبالمكاتبة، وبالتلفون.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 111054، 194655.
والله أعلم.