عنوان الفتوى : الترهيب من الاتهام بعمل السحر من غير بينة
يا شيخ: أريد مساعدتكم في أمر أهمني. تزوجت حديثا، وأنا أعمل بعيدا عن زوجتي. مؤخرا بينما كانت زوجتي تقرأ سورة البقرة، اعوج فمها، ولم تستطع الإكمال. أحضر أهلها لها بعض الإخوة لرقيتها؛ فوجدوا بها سحرا. والمشكلة يا شيخ أن الجن الخادم، الذي يحرس السحر، وهو مسلم، تكلم مع الراقي، وأخبره بأنه سحر مأكول؛ للتفرقة بيني وبينها. وما صدمني، وأبكاني هو أن أمي هي من قامت به، عن طريق ساحر، أحرقه الله. والله يا شيخ لم تتوقف عيني عن البكاء مند سمعت ما قالوه. للتفسير أكثر: أمي قد قاطعت مكالمتي بالهاتف بعد زواجي دون أي سبب، وتقول لي إني عاق دون أي سبب، وكنت أدعو لها بالهداية. وأنا الآن أريد مكالمتها؛ لكي تتوب إلى الله، ولكني أخشى أن يجرحها كلامي، وتزيد من غضبها علي، أو أن تعلم أننا اكتشفنا السحر؛ فيوسوس لها الشيطان، فتقوم بعمل آخر. وأرجو منكم إرشادي لكيفية التعامل مع أمي؛ لأني أعرف أن ما تفعله لا يسقط بري لها. إني أدعو الله أن يلهمني الحل، وكفى بالله وكيلا. وعسى أن يكون هدى الله في جوابكم يا شيخ. جزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتم لزوجتك الشفاء، ويرزقها العافية، وأن يؤلف بين قلوبكما، ويديم بينكما الألفة والمودة؛ إن ربنا قريب مجيب، ونوصيكما بالحرص على تحصين النفس بالذكر، فالذي بيده النفع والضر هو الله سبحانه، قال تعالى عن السحرة: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ {البقرة:102}.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى أرقام: 57129، 61211، 80694.
واعلم أن من أخطر الأمور اتهام الأم بعمل السحر من غير بينة، فإن هذا نوع من سوء الظن، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}.
وما ورد من كلام الشيطان على لسان زوجتك من تسمية أمك، لا يعتبر دليلا، فعادة الشياطين الكذب، وقلما يصدقون، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: صدقك، وهو كذوب. يعني الشيطان، والحديث في صحيح البخاري.
وكذا ما ذكرت من اعتراضها على زواجك من هذه المرأة، لا يعتبر دليلا على أنها قد علمت السحر لزوجتك، فلا يجوز لك ذكر هذا الكلام لها، وعلى افتراض أنها قد عملت السحر، فليس من الحكمة أن تواجهها بذلك؛ لأنه قد يزيد الطين بلة.
وإن كان اعتراضها على زواجك من هذه المرأة قبل الزواج، فالأصل أن تطيعها في ذلك؛ لأن طاعة الوالدين في ترك الزواج من امرأة معينة، واجبة ما لم تعارض ذلك مصلحة راجحة، كما سبق وأن بينا في الفتوى رقم: 93194، وإن كان الاعتراض بعد تمام الزواج، فهذا لا اعتبار له، فإذا كانت هذه المرأة صالحة، وأمرتك بفراقها، لم تجب عليك طاعتها، وانظر فتوانا رقم: 70223، ورقم: 1549.
ونوصيك بالحرص على البر بأمك، ولا شك في أن بر الوالدين لا يسقطه عن الولد إساءتهما إليه، وراجع الفتوى رقم: 299887.
فاحرص على الاجتهاد في سبيل كسب رضاها، واعمل على مداراتها، والتوسط إليها بمن له وجاهة عندها حتى تنتزع رضاها، ولا تنس الدعاء. نسأل الله تعالى أن يوفقك في كسب رضاها.
والله أعلم.