عنوان الفتوى : حكم من ينكر وجود السحر
هل يكفر من أنكر وجود السحر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن نفي وجود شيء اسمه السحر أصلا -لا حقيقة، ولا تخييلا، ولا غير ذلك- لا شك أنه تكذيب للآيات التي فيها ذكر السحر.
قال القرطبي في المفهم: وقول عائشة -رضي الله عنها-: (( سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي))؛ هذا الحديث يدل على أن السحر موجود، وأن له أثرا في المسحور. وقد دل على ذلك مواضع كثيرة من الكتاب والسنة بحيث يحصل بذلك القطع بأن السحر حق، وأنه موجود، وأن الشرع قد أخبر بذلك، كقصة سحرة فرعون، وبقوله تعالى فيها: { وجاءوا بسحر عظيم }، و{يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى}، إلى غير ذلك مما تضمنته تلك الآيات من ذكر السحر، والسحرة، وكقوله تعالى: { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ... } إلى آخرها.
وبالجملة: فهو أمر مقطوع به بإخبار الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن وجوده، ووقوعه. فمن كذب بذلك فهو كافر. مكذب لله ورسوله، منكر لما علم مشاهدة وعيانا. ومنكر ذلك إن كان مستسرا به فهو الزنديق، وإن كان مظهرا فهو المرتد. اهـ.
وأما إنكار حقيقة السحر والزعم بأنه مجرد خيالات: فهو وإن كان قولا مخالفا لظواهر النصوص، ولما عليه عامة علماء المسلمين، إلا إنه ليس قولا كفريا.
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وقد اختلف علماء الإسلام في إثبات حقيقة السحر وإنكارها، وهو اختلاف في الأحوال فيما أراه. فكل فريق نظر إلى صنف من أصناف ما يدعى بالسحر. وحكى عياض في «إكمال المعلم» أن جمهور أهل السنة ذهبوا إلى إثبات حقيقته.
قلت: وليس في كلامهم وصف كيفية السحر الذي أثبتوا حقيقته، فإنما أثبتوه على الجملة.
وذهب عامة المعتزلة إلى أن السحر لا حقيقة له، وإنما هو تمويه وتخييل، وأنه ضرب من الخفة والشعوذة، ووافقهم على ذلك بعض أهل السنة كما اقتضته حكاية عياض في «الإكمال».
قلت: وممن سمي منهم أبو إسحاق الإسترابادي من الشافعية.
والمسألة بحذافيرها من مسائل الفروع الفقهية تدخل في عقاب المرتدين والقاتلين، والمتحيلين على الأموال، ولا تدخل في أصول الدين. وهو وإن أنكره الملاحدة، لا يقتضي أن يكون إنكاره إلحادا. اهـ.
وراجع الفتويين: 18942، 31599.
والله أعلم.