عنوان الفتوى : شروط التوبة من السحر
يا سماحة الشيخ: أرجو الإجابة على سؤال أهم عندي من الحياة أو الموت. عند ما كان عمري 17 سنة، كنت مقبلا على الثانوية العامة، ولأجل التحصيل الدراسي، بدأت أقرأ كتب السحر كشمس المعارف، وقمت بأعمال متأكد أنها كفرية مثل النفخ في العقد، وكتابة الطلاسم. أنا الآن بعد ثلاث سنين، أريد أن أتوب، الذنب يقتلني. كنت أصلي، وأطيع الله، لكن خلال تلك الفترة المشؤومة من عمر 17 إلى 20 سنة، لم أذكر اسم الله، وتعاملت بالسحر، لكن لا أذكر أبدا أني آذيت به مخلوقا. فهل لي من توبة؟ وما هي شروطها؟ وهل هناك فرصة أن أدخل الجنة، وأن أكون كبقية إخواني المسلمين؟ وأخيرا سمعت أن متعاطي السحر، تذهب عنه ملائكته الحارسة له، لكنني تبت. فهل يرجعون لي؟ أرجو الإفادة، أريد أن أتوب توبة نصوحا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن تعاطي السحر من الموبقات، واختلف العلماء في كفر من أتى بالسحر، ولتنظر الفتوى رقم: 121340.
وبكل حال، فإن التوبة من كل ذنب مقبولة، والتوبة تمحو ما قبلها من الإثم، إذا استوفت شروطها من الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم معاودته، والندم على فعله؛ قال تعالى: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: إن تاب -يعني الساحر- قبلت توبته؛ لأنه ليس بأعظم من الشرك، والمشرك يُسْتَتَابُ، وَمَعْرِفَتُهُ السِّحْرَ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ تَوْبَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِلَ تَوْبَةَ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ، وَجَعَلَهُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فِي سَاعَةٍ، وَلِأَنَّ السَّاحِرَ لَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ، صَحَّ إسْلَامُهُ وَتَوْبَتُهُ، فَإِذَا صَحَّتْ التَّوْبَةُ مِنْهُمَا صَحَّتْ مِنْ أَحَدِهِمَا، كَالْكُفْرِ، وَلِأَنَّ الْكُفْرَ وَالْقَتْلَ إنَّمَا هُوَ بِعَمَلِهِ بِالسِّحْرِ، لَا بِعِلْمِهِ، بِدَلِيلِ السَّاحِرِ إذَا أَسْلَمَ، وَالْعَمَلُ بِهِ يُمْكِنُ التَّوْبَةُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُ مَا يَكْفُرُ بِاعْتِقَادِهِ، يُمْكِنُ التَّوْبَةُ مِنْهُ كَالشِّرْكِ، وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ التَّوْبَةِ فِي الدُّنْيَا، مِنْ سُقُوطِ الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُقُوطِ عُقُوبَةِ الدَّارِ الْآخِرَةِ عَنْهُ، فَتَصِحُّ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَسُدَّ بَابَ التَّوْبَةِ عَنْ أَحَدٍ، مِنْ خَلْقِهِ، وَمَنْ تَابَ إلَى اللَّهِ قَبِلَ تَوْبَتَهُ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. انتهى.
والله أعلم.