من أسباب محبة الله تعالى عبدا ( المداومة على مدح الله بالتسبيح والحمد )
مدة
قراءة المادة :
31 دقائق
.
من أسباب محبة الله تعالى عبداالمداومة على مدح الله - تعالى - بالتسبيح والحمد
أولاً: مدح الله سبحانه والثناء عليه تعالى:
1- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليسَ أحدٌ أحبّ إليهِ المدحُ مِنَ اللهِ - عز وجل - منْ أجْلِ ذلكَ مَدَحَ نفْسِهِ»[1].
يعني أن نمدحَ نحنُ اللهَ تعالى لا أن نُحِبَّ أن يمدحَنا الناسُ؛ لأن هذا أمرٌ محرَّم في الشرع ومُتَوَعَّدٌ عليه أشدَّ الوعيد..
قال الله تعالى: ﴿ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 188]، وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: ومقتضى الحديث إطلاقه على الله؛ لأنه لولا صحة الإطلاق ما انتظم الكلام كما ينتظم ما أحدٌ أعلم من زيد؛ فإن زيدًا من الأحَدِين بخلاف ما أحدٌ أحسن من ثوبي؛ فإنه ليس منتظما؛ لأن الثوب ليس من الأحدِين[2].
وقال -رحمه الله تعالى-: والمدح الثناء بذكر أوصاف الكمال والأفضال..
قاله القرطبي...
قال ابن بطال: أراد به المدح من عباده بطاعته وتنزيهه عما لا يليق به، والثناء عليه بنعمه؛ ليجازيهم على ذلك...
ولا يحتج بهذا على جواز استجلاب الإنسان الثناء على نفسه؛ فإنه مذموم ومنهي عنه، بخلاف حبه له في قلبه إذا لم يجد من ذلك بُدًّا فإنه لا يذم بذلك؛ فالله - سبحانه وتعالى - مستحق للمدح بكماله، والنقص للعبد لازم، ولو استحق المدح من جهة ما؛ لكن المدح يفسد قلبه ويعظمه في نفسه حتى يحتقر غيره، ولهذا جاء «احثوا في وجوه المداحين التراب» وهو حديث صحيح أخرجه مسلم[3].
وقال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: حقيقة هذا مصلحة للعباد؛ لأنهم يثنون عليه - سبحانه وتعالى - فيثيبهم فينتفعون، وهو سبحانه غني عن العالمين..
لا ينفعه مدحُهم ولا يضره تركهم ذلك، وفيه تنبيهٌ على فضل الثناء عليه - سبحانه وتعالى -، وتسبيحه، وتهليله، وتحميده، وتكبيره، وسائر الاذكار قوله - صلى الله عليه وسلم-[4].
ثانيًا: تسبيحه سبحانه وحمده له المنة والفضل:
2- عن أبي هريرةَ -رضى الله عنه- قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: «كلِمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان..
سبحانَ الله وبحمدِه، سبحانَ الله العظيم»[5]، وفي حديث سمرة بن جندب -رضى الله عنه-: «أحب الكلام إلى الله أربع، لا يضرك بأيِّهِنَّ بدأت؛ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»[6].
أ- معنى الخفَّة والثقل والمحبّة إلى الله تعالى: قوله «خفيفتان على اللسان» الخ، قال الطيبي: الخفة مستعارةٌ للسهولة، شبَّه سهولةَ جريان هذا الكلام على اللسان بما يخفّ على الحامل من بعض المحمولات فلا يشقّ عليه، فذكر المشبَّه وأراد المشبَّه به، وأما الثقل فعلى حقيقته؛ لأنَّ الأعمال تتجسَّم عند الميزان، والخفَّة والسهولة من الأمور النسبية، وفي الحديث حثٌّ على المواظبة على هذا الذكر، وتحريضٌ على ملازمته؛ لأنَّ جميع التكاليف شاقَّة على النفس وهذا سهْلٌ، ومع ذلك يثقُل في الميزان كما تثقل الأفعال الشاقة، فلا ينبغي التفريط فيه.
وقوله «حبيبتان إلى الرحمن» تثنِيَة حبيبة، وهي المحبوبة، والمراد أن قائلَها محبوبٌ لله، ومحبَّة الله للعبد إرادة إيصال الخير له والتكريم[7]، وخصَّ الرحمنَ من الأسماء الحسنى للتنبيه على سَعة رحمة الله، حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل، ولما فيها من التنـزيه والتحميد والتعظيم، وفي الحديث جواز السجع في الدعاء إذا وقع بغير كلفة[8].
قال الحافظ: مع أنها تُثقل الميزانَ كثقل الشاق من التكاليف، وقد سئل بعض السلف عن سبب ثقل الحسنة وخفة السيئة فقال: لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنّك ثقلُها على تركها، والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها؛ فلذلك خفَّت فلا يحملنك خفتها على ارتكابها[9].
ب- معنى «سبحان الله» وفضلها: قال ابن حجر: قوله -أي الإمام البخاري رحمه الله-: «باب فضل التسبيح»، يعني قول سبحان الله، ومعناه تنـزيهُ الله عما لا يليق به من كل نقْص، فيلزم نفيُ الشريك والصاحبة والولد وجميع الرذائل، ويطلق التسبيح ويراد به جميع ألفاظ الذكر، ويطلق ويراد به صلاةُ النافلة، وأما صلاة التسبيح فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها، و«سبحان» اسمٌ منصوب على أنَّه واقع موقع المصدر لفعلٍ محذوف تقديره سبَّحت الله سبحانًا كسبحت الله تسبيحًا، ولا يستعمل غالبًا إلا مضافًا، وهو مضاف إلى المفعول أي سبَّحت الله، ويجوز أن يكون مضافًا إلى الفاعل أيْ نزَّه اللهُ نفسَه، والمشهور الأول، وقد جاء غير مضافٍ في الشعر كقوله:
سبحانَه ثم سبحانًا أنـزِّهُه[10].
قال: ويمكن أن يكون قوله «سبحان الله وبحمده» مختصرًا من الكلمات الأربع وهي: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»[11]؛ لأن سبحان الله تنـزيهٌ له عما لا يليق بجلاله وتقديسٌ لصفاته من النقائص، فيندرج فيه معنى لا إله إلا الله[12].
جـ- معنى «وبحمدِه» وفضلها: قال الحافظ: وقوله «وبحمدِه» صريحٌ في معنى «والحمد لله»؛ لأنّ الإضافة فيه بمعنى اللام في الحمد، ويستلزم ذلك معنى «الله أكبر»؛ لأنه إذا كان كل الفضل والإفضال لله ومن الله وليس من غيره شيءٌ من ذلك فلا يكون أحدٌ أكبرَ منه[13].
قوله «وبحمدِه» قيل الواو للحال والتقدير أسبح الله متلبسًا بحمدي لَه من أجل توفيقه، وقيل عاطفةٌ والتقدير أسبِّح الله وأتلبّس بحمده، ويحتمل أن يكون الحمدُ مضافًا للفاعل، والمراد مَن الحمدُ لازمُه أو ما يوجب الحمد من التوفيق ونحوه، ويحتمل أن تكون الباء متعلقةً بمحذوفٍ متقدِّم والتقدير وأُثنِي عليه بحمده، فيكون «سبحان الله» جملةً مستقلة (و)«وبحمده» جملة أخرى، وقال الخطّابِي في حديث «سبحانك اللهم ربنا وبحمدِك»[14]، أي بقوَّتِك التي هي نعمةٌ توجِب عليَّ حمدَك سبَّحتك لا بحولِي وبقوتي؛ كأنه يريدُ أن ذلك مما أقيم فيه السبب مقام المسبب[15].
أيهما أفضل..
التسبيحُ أم الحمد أم التهليل؟
الجواب: قال الحافظ: قال عياض قوله «حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر»[16]مع قوله في التهليل «محيت عنه مائة سيئة» قد يشعر بأفضلية التسبيح على التهليل، يعني لأن عدد زبد البحر أضعاف أضعاف المائة؛ لكن تقدم في التهليل «ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به»[17] فيحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون التهليل أفضل، وأنه بما زِيد من رفع الدرجات وكتب الحسنات، ثم ما جعل مع ذلك من فضل عِتق الرقاب قد يزيد على فضل التسبيح وتكفيره جميع الخطايا؛ لأنه قد جاء «من أعتق رقبةً أعتق الله بكل عضوٍ منها عضوًا منه من النار»[18]، فحصل بهذا العتق تكفير جميع الخطايا عمومًا بعد حصر ما عدَّدَ منها خصوصًا مع زيادة مائة درجة، وما زاده عتق الرقاب الزيادة على الواحدة، ويؤيده الحديث الآخر «أفضل الذكر التهليل»[19]، وأنه أفضل ما قاله والنبيُّون من قبله، وهو كلمة التوحيد والإخلاص، وقيل إنه «اسم الله الأعظم»[20].
ومع ذلك كلِّه فلا يلزم أن يكون التسبيح أفضلَ من التهليل؛ لأن التهليل صريحٌ في التوحيد والتسبيح متضمّن له، ولأن نفي الآلهة في قول «لا إله» نفيٌ لِمُضمّنها من فعل الخلق والرزق والإثابة والعقوبة، وقول «إلا الله» إثباتٌ لذلك، ويلزم منه نفي ما يضادُّه ويخالفه من النقائص، فمنطوق «سبحان الله» تنـزيهٌ ومفهومُه توحيد، ومنطوق «لا إله إلا الله» توحيدٌ ومفهومه تنـزيه، يعني فيكون لا إله إلا الله أفضل لأن التوحيد أصلٌ والتنـزيه ينشأ عنه والله أعلم، وقد جمع القرطبي بما حاصلُه أنَّ هذه الأذكار إذا أطلق على بعضها أنه أفضل الكلام أو أحبُّه إلى الله، فالمراد إذا انضمت إلى أخواتها؛ بدليل حديث سمرة عند مسلم «أحبُّ الكلام إلى الله أربع، لا يضرُّك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»[21]، ويحتمل أن يكتفي في ذلك بالمعنى فيكون من اقتصر على بعضها كفى؛ لأن حاصلها التعظيم والتنـزيه، ومن نزَّهه فقد عظمّه، ومن عظمه فقد نزهه، انتهى.
وقال النوويُّ: هذا الإطلاق في الأفضلية محمولٌ على كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل الذكر، وقال البيضاويّ: الظاهر أن المراد من الكلام كلامُ البشر؛ فإنَّ للثلاث الأول وإن وجدت في القرآن لكن الرابعة لم توجَد فيه، ولا يفضُل ما ليس فيه على ما هو فيه.
قلت: ويحتمل أن يجمع بأن تكون مِن مضمرة في قوله «أفضل الذكر لا إله إلا الله»[22]، وفي قوله «أحبُّ الكلام» بناء على أن لفظ أفضل وأحب متساويان في المعنى؛ لكن يظهر مع ذلك تفضيل «لا إله إلا الله»؛ لأنها ذكِرت بالتنصيص عليها بالأفضلية الصريحة، وذكرت مع أخواتها بالأحبيِّة، فحصل لها التفضيل تنصيصًا وانضمامًا والله أعلم[23].
وقال: وإذا قال «الحمد لله» فهي كلمة الشكر التي لم يَشكر اللهَ عبدٌ حتى يقولها، وعن ابن عباس قال «من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين»[24] تكميلٌ، وعن أبي سعيدٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: «قال موسى: يا ربِّ علمني شيئًا أذكرك به، قال: قل لا إله إلا الله»[25] الحديث، وفيه «لو أن السماوات السبع وعامرَهن والأرضين السبع جعلن في كفّة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله»، فيؤخَذ منه أن الذكر بلا إله إلا الله أرجح من الذكر بالحمد لله، ولا يعارِضُه حديثُ أبي مالك الأشعري رفعه «والحمد لله تملأ الميزان»[26]، فإن الملء يدل على المساواة والرجحانَ صريحٌ في الزيادة، فيكون أولى، ومعنى ملء الميزان أن ذاكرها يمتلئ ميزانُه ثوابًا، وذكر ابن بطال عن بعض العلماء أن الفضل الوارد في حديث الباب وما شابهه إنما هو لأهل الفضل في الدين والطهارة من الجرائم العظام، وليس من أصرَّ على شهواته وانتهك دين الله وحرماته بلا حق بالأفاضل المطهرين في ذلك، ويشهد له قوله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الجاثية: 21][27].
د- أحب الكلام إلى الله:
3- وعن أبي ذر -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله»؟ قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال: «إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده»[28].
قال النووي: هذا محمولٌ على كلام الآدمي، وإلا فالقرآن أفضل، وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، فأما المأثور في وقتٍ أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل، والله أعلم[29].
ه- أحب إلى الله من جبل ذهبٍ ينفقه في سبيل الله - عز وجل -:
4- وعن أبي أمامة -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «من هاله الليل أن يكابِده، أو بَخِل بالمال أن يُنفِقه، أو جبُن عن العدوِّ أن يقاتله، فليكثر من سبحان الله وبحمده؛ فإنها أحبُّ إلى الله من جبل ذهبٍ ينفقه في سبيل الله - عز وجل -»[30].
قال المناوي في شرحه: «من ضن بالمال أن ينفقه» في وجوه البر، «وبالليل أن يكابده؛ فعليه بسبحان الله وبحمده»؛ أي فليلزم قول «سبحان الله وبحمدِه»، قال في الفردوس: يقال ضنّ بالشيء إذا بخل به فهو ضنين، وهذا علق مضنة أي هو نفيس يضن به، والمكابدة تحمل الضيق لصلاة الليل والشدة في طلب المعيشة[31].
و- شيء لا يزال له عند الله يُذكَر به:
5- وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «الذين يذكرون من جلال الله؛ مِن تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله، يتعاطفن حول العرش لهنّ دوِيٌّ كدَوِيِّ النحل يذكرن بصاحبِهن؛ ألا يحبُّ أحدكم أن لا يزال له عند الله شيءٌ يُذْكَر به»[32].
«يتعاطفن»، وفي رواية ابن ماجه «ينعطفن حول العرش»؛ أي يدرن، والدوي الصوت الخفي.
قوله «يذكرن بصاحبهن»، وفي رواية ابن ماجه «تذكره بصاحبها»؛ أي تذكر ربه[33] بحال صاحبها؛ فكأنها شواهد عليه، ثم بيّن - صلى الله عليه وسلم- بالتصريح «أما يحب أحدكم»؟ استفهام إنكار؛ فكأنه قال إنه مع هذه الفضيلة كيف ينسى أحدكم ويغفل عن هذا الذكر[34].
ز- ما اصطفاه الله تعالى لملائكته:
6- عن أبي ذر -رضى الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عاده أو أن أبا ذر عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: بأبي أنت يا رسول الله! أي الكلام أحب إلى الله - عز وجل -؟ قال: «ما اصطفى الله لملائكته؛ سبحان ربي وبحمده..
سبحان ربي وبحمده»[35].
قال المباركفوري -رحمه الله تعالى-: «ما اصطفاه الله لملائكته»؛ أي الذي اختاره من الذكر للملائكة، وأمرهم بالدوام عليه لغاية فضيلته.
«سبحان ربي»؛ أي أنزهه من كل سوء، «وبحمده» الواو للحال؛ أي أسبح ربي متلبِّسًا بحمده، أو عاطفة؛ أي أسبح ربي وأتلبَّس بحمده، يعني أنزهه عن جميع النقائص وأحمده بأنواع الكمالات.
قال الطيبي: لمح به إلى قوله تعالى ﴿ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ﴾ [البقرة: 30]...
وفي الحديث أن «أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده»[36]، وهذا بظاهره يعارض حديث جابر الذي تقدم في باب أن دعوة المسلم مستجابة بلفظ «أفضل الذكر لا إله إلا الله»[37]، وقد جمع القرطبي بما حاصله أن هذه الأذكار إذا أطلق على بعضها أنه أفضل الكلام أو أحبه إلى الله فالمراد إذا انضمت إلى أخواتها، بدليل حديث سمرة عند مسلم «أحب الكلام إلى الله أربع لا يضرك بأيهن بدأت؛ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر»[38] ويحتمل أن يكتفي في ذلك بالمعنى؛ فيكون من اقتصر على بعضها كفى؛ لأن حاصلها التعظيم والتنزيه ومن نزهه فقد عظمه ومن عظمه فقد نزهه..
انتهى[39].
خلاصة هذا السبب:
أن تسبيحَ الربِّ - سبحانه وتعالى - وحمدَه من أفضل الكلام، وأنه مما يحبِّب اللهَ في عبدِه المسبِّح الحامد، وأن ذلك من أخف الأقوال والأعمال على النفس رغم ثقله في الميزان؛ فمن فوَّته فوَّت على نفسه الخير العميم والكنـز الثمين، ولا يبعُد أن الله تعالى أراد به السوء -عافانا الله وإيَّاك من مَكرِه الذي لا نطيق.
[1] [متفَقٌ عليه] جزء من حديث أخرجه البخاري في التوحيد، باب/ باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم- (لا شخص أغير من الله) (ح6980)، ومسلم في كتاب اللعان (ح1499)، وفي كتاب التوبة، باب/ غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش (ح2760)، واللفظ له.
[2] انظر: «فتح الباري» (ج13 ص385).
[3] انظر: المصدر السابق (ج13 ص400) مختصرا.
[4] انظر: «شرح النووي على مسلم» (ج17 ص77-78).
[5] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في الدعوات (ح6043)، ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة (ح2694) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] أخرجه مسلم في الآداب (ح2137) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
[7] محبة الله للعبد صفةٌ ثابتةٌ لله تعالى، نمرُّها كما جاءت بلا تعطيل ولا تأويل، وهي غير إرادة توصيل الخير وغير التكريم؛ لأنها غيرهما في أصل وضعها في اللغة، بل هما من لوازمها، ونحن أيضًا لا نكيِّفها ولا نمثلها؛ لأننا لا نعلم كيفيتها ولا نعرف لها مثيلا إذا نسبت إلى لله تعالى..
هذا هو التنـزيه الذي نعتقده، وليس التعطيل ولا التأويل تنـزيهًا، بل هما قدحٌ وذمٌّ مثلهما مثل التكييف والتمثيل.
[8] انظر: «فتح الباري» (ج11 ص208).
[9] انظر: نفس المصدر (ج13 ص540-541).
[10] انظر: «فتح الباري» (ج11 ص206).
[11] [صحيح] علقه البخاري في الأيمان والنذور، باب/ إذا قال والله لا أتكلم، وقال الحافظ في «الفتح»: «قوله (وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: أفضل الكلام أربع؛ سبحان الله إلخ) هَذَا من الأحاديث التي لم يصلها البخاري في موضع آخر, وقد وصله النسائيّ من طريق ضرار بن مُرَّة عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة مرفوعًا بلفظه, وأخرجه مسلم من حديث سمرة بن جُنْدَب لكن بلفظ «أحبُّ» بدل «أفضل»، وأخرجه ابن حبان من هذا الطريق بلفظ «أفضل»، ولحديث أبي هريرة طريق أخرى أخرجها النسائيّ وصححها ابن حبان من طريق أبي حمزة السُّكَّريّ عن الأعمش عن أبي صالح عنه بلفظ «خير الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت» فذكره, وأخرجه أحمد عن وكيع عن الأعمش فأبهم الصحابي, وأخرجه النسائي من طريق سُهَيْل بن أبي صالح عن أبيه عن السَّلُوليِّ عن كعب الأحبار من قوله».
اه.
[12] انظر: «فتح الباري» (ج11 ص207) مختصرًا.
[13] انظر: السابق (ج11 ص206).
[14] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في تفسير القرآن (ح4967)، ومسلم في الصلاة (ح484) عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة بعد أن نزلت عليه (إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالْفَتْحُ) إلا يقول فيها «سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي».
[15]) انظر: «فتح الباري» (ج13 ص540-541).
[16] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري الدعوات (ح6405)، ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة (ح2691 و2692) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[17] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء (ح2692) عن سهيل عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه».
[18] [متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في كفارات الأيمان (ح6715)، ومسلم في العتق (ح1509) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[19] لم أقف عليه بهذا اللفظ، ولعله قصد ما أخرجه الترمذي في الدعوات (ح3383)، وابن ماجه في الأدب (ح3800) وصححه ابن حبان (ح846) والحاكم (1/676 ح1834) من طريق: طلحة بن خراش قال: سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: «أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله».
قال أبو عيسى: «هذا حديث حسن غريب»، وقال الحاكم: «حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».
[20] انظر: «فتح الباري» (ج11 ص206).
[21] أخرجه مسلم في الآداب (ح2137) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
[22] تقدم تخريجه قريبًا.
[23] انظر: «فتح الباري» (ج11 ص206-207) مختصرا.
[24] [صحيح موقوف] أخرجه الحاكم (2/476 ح3639) من طريق: الحسين بن واقد حدثنا الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- فذكره موقوفًا عليه، بلفظ: «من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين..
يريد قوله – عز وجل - ﴿ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».
[25] [مختلف في تصحيحه وتضعيفه] أخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» (834 و1141) من طريق دراج أبي السمح, عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «قال موسى: يا رب علمني شيئا أذكرك به، وأدعوك به، قال: يا موسى لا إله إلا الله، قال موسى: يا رب كل عبادك يقول هذا، قال: قل لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا أنت، إنما أريد شيئا تخصني به، قال: يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله».
قال الحافظ -في «الفتح» (ج11 ص208)-: «أخرج النسائى بسند صحيح عن أبى سعيد عن النبى - صلى الله عليه وسلم-: «قال موسى: يا رب ..»، وتعقبه أبو إسحاق الحويني -في «تنبيه الهاجد» (ج2 ص302) - وذهب إلى تضعيفه؛ فقال: «وهذا سند ضعيف، وقد قال الحافظ نفسه في «التقريب» في ترجمة «دراج بن سمعان»: «صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف».
وقد قال أبو داود: أحاديثه مستقيمة، إلا ما كان عن أبي الهيثم، عن أبى سعيد».
وقد ضعف الحافظ هذا الإسناد في غير ما موضع من مصنفاته.
والله أعلم».
وكنت أميل إلى حذفه عملا بالمنهج في عدم الاستشهاد بالضعيف؛ إلا أن الحافظ -رحمه الله تعالى- بنى عليه كلاما، فتركته مع التنبيه على ضعفه.
[26] أخرجه مسلم في الطهارة (ح223)، والترمذي في الدعوات (ح3517)، والنسائي (2437).
[27] انظر: «فتح الباري» (ج11 ص208).
[28] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة (ح2731)، وقد تقدم تخريجه.
[29] انظر: «شرح النووي على مسلم» (ج17 ص49).
[30] [غريب] أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (1/114 ح174)، وفي «المعجم الكبير» (8/195 ح7800) من طريق: ابن ثوبان عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فذكره.
وفي «المعجم الكبير» (8/194 ح7795) متابع لابن ثوبان، وهو: العباس بن ميمون عن القاسم عن أبي أمامة، فذكره.
قال الهيثمي -في «مجمع الزوائد» (10/94)-: «رواه الطبراني وفيه سليمان بن أحمد الواسطي وثقه عبدان وضعفه الجمهور، والغالب على بقية رجاله التوثيق».
وقال المنذري -في «الترغيب والترهيب» (2/273)-: «رواه الفريابي والطبراني واللفظ له، وهو حديث غريب ولا بأس بإسناده إن شاء الله».
[31] انظر: «فيض القدير» (ج6 ص174).
[32] [غريب] أخرجه ابن ماجه (ح3809)، وأحمد (4/268 ح18552) و(4/271 ح18578)، وابن أبي شيبة (6/54 ح29415)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (4/269)، والحاكم في «المستدرك» (1/678 ح1841) و(7/168 ح35037) جميعًا من طريق: عن موسى بن مسلم الطحان، أبي عيسى الصغير، عن عون بن عبد الله، عن أبيه، أو عن أخيه، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس في ابن أبي شيبة والحاكم «أو عن أخيه».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، وقال -في (1/682)-: «هذا حديث على شرط مسلم، فقد احتج بموسى القاري، وهو ابن عيسى هذا».
فرجاله ثقات عدا موسى بن مسلم الطحان.
وصححه الألباني في «الصحيحة» (3358).
لكن قال أبو نعيم: «غريب من حديث عون، تفرد به عنه موسى، وهو أبو عيسى موسى بن مسلم الطحان يعرف بالصغير».
[33] هذا من الجفاء؛ لأنه لا يقال: يُذَكِّر الله؛ لقوله تعالى (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) [طه: 52].
[34] انظر: «شرح سنن ابن ماجه» للأئمة: السيوطي وعبد الغني وفخر الحسن الدهلوي (ص270) نشر قديمي كتب خانة - كراتشي بدون تاريخ.
[35] [صحيح] أخرجه الترمذي في الدعوات، باب/ أي الكلام أحب إلى الله (ح3593)، والحاكم في «المستدرك» (1/680 ح1785)، قال أبو عيسى: «هذا حديث حسن صحيح»، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه»، وقال الألباني في «صحيح الترمذي» (رقم 2842): «صحيح».
[36] [صحيح] سبق تخريجه.
[37] تقدم تخريجه.
[38] [صحيح] سبق تخريجه.
[39] انظر: «تحفة الأحوذي» (ج10 ص38).