(7) اسم الله (السميع) - شرح وأسرار الأسماء الحسنى - هاني حلمي عبد الحميد
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
الحمدُ للهِ الذي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصواتَ، فلا تَخْتَلِفُ عليهِ أصواتُ الخلقِ، ولا تَشْتَبِهُ عليهِ ولا يَشْغَلُهُ منها سَمْعٌ عنْ سَمْعٍ، ولا تُغْلِطُهُ المسائلُ، ولا يُبْرِمُهُ كثرةُ السائِلِينَ.المعنى اللغوي للاسم:
السميع في اللغة على وزن فعيــل من أبنية المبالغة، والسمع في حق المخلوقين هو: ما وَقَر في الأذن من شيءٍ تسمعه.
ورود الاسم في القرآن الكريم :
ورد اسمه تعالى السميع في القرآن خمسًا وأربعين مرة؛ مما يدل على أهمية الاسم لا شك..
منها قوله تعالى: {..رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:127]، وقوله سبحانه وتعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [المائدة:76]، وجمع بين اسمه تعالى السميع والبصير في أكثر من موضع، منها قوله تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان:28]، وجمع بينه وبين اسمه تعالى القريب، في قوله: {..إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ:50].
معنى الاسم في حق الله تعالى:
قال الخطابي رحمه الله: "السميع: هو الذي يسمع السر والنجوى، سواء عنده الجهر والخفوت، والنطق والسكوت"، والسماع قد يكون بمعنى القبول والإجابة..
فمن معاني السميع: المُستجيــب لعبـــاده إذا توجهوا إليـــه بالدعــاء وتضرعوا، كقول النبي : «اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن دعاء لا يُسمع..» (صحيح الجامع:1297).
أي: من دعاء لا يُستجـــاب.
وذكر الإمام ابن القيم رحمهُ الله أن السمعُ يُرَادُ بهِ أربعةُ مَعَانٍ:
أحدُهَا: سَمْعُ إِدْرَاكٍ؛ ومُتَعَلَّقُهُ الأصواتُ، ومنه قوله تعالى {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1]، وقوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ..} [آل عمران:181]
الثاني: سَمْعُ فَهْمٍ وعَقْلٍ؛ ومُتَعَلَّقُهُ المعاني، ومنه قولُهُ: {..لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا..} [البقرة:104]، لَيْسَ المرادُ سَمْعَ مُجَرَّدِ الكلامِ، بلْ سَمْعَ الفَهْمِ والعَقْلِ، ومِنْهُ: {..سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا..} [البقرة:285].
الثالثُ: سَمْعُ إجابةٍ وإعطاءِ ما سُئِلَ، ومنه قولنا: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، أيْ: اللهم أَجِبْ وَأَعْطِ مَن حَمِدَك.
الرابعُ: سَمْعُ قَبُولٍ وانْقِيَادٍ، منه قولُهُ تَعَالَى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ..} [المائدة:41]؛ أيْ: قَابِلُونَ لهُ وَمُنْقَادُونَ غيرُ مُنْكِرِينَ لهُ، ومنهُ على أَصَحِّ القَوْلَيْنِ: {..وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ..} [ التوبة :47]؛ أيْ: فيكم قَابِلُونَ وَمُنْقَادُونَ (بدائع الفوائد:2:75،76- بتصرف)
يقول ابن القيم في قصيدته النونية (النونية 2:215):
وهو السَّميعُ يَرى ويَسْمعُ كلَّ ما *** في الكون من سِرٍّ ومن إعلانِ
ولكلِّ صوتٍ منه سمعٌ حاضرٌ *** فالسِّرُّ والإِعلان مستويــــــانِ
والسَّمعُ منه واسعُ الأصواتِ لا *** يخفى عليه بعيدُهـــا والدانـــــي
آثـــــار الإيمــان باسمه السميـــــع:
1- إثبــــات صفة السمع له سبحانه وتعالى كما وصف الله عزَّ وجلَّ نفسه.
فهو سبحـــانه سميع ذو سمع، ونحن نصف الله تعالى بما وصف به نفسه بلا تحديد أو تكييف، يقول تعالى: {..لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11].
2- إن سمع الله تبـــارك وتعالى ليس كسمع أحد من خلقه.
فسمعه سبحانه وتعالى مُستغرق لجميع المسموعات، لا يعزب عن سمعه مسموع وإن دق وخفي، سرًا كان أو جهرًا.
عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها وما أسمع ما تقول، فأنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا..} (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني ).
3- لا يستجيب الله تعالى دعـــاء اللاهي والمرائي، إنما يستجيب للدعـــاء الخـــالص.
عن عبد الرحمن بن يزيد قال: "كان الربيع يأتي علقمة يوم الجمعة فإذا لم أكن ثمة، أرسلوا إليَّ فجاء مرة ولست ثمة، فلقينى علقمة وقال لي: ألم تر ما جاء به الربيع؟ قال: ألم تر أكثر ما يدعو الناس وما أقل إجابتهم، وذلك أن الله عزَّ وجلَّ لا يقبل إلا الناخلة من الدعاء ، -الناخلة: الدعاء الخـــالص الذي لا تشوبه شائبة-، قلت: أو ليس قال ذلك عبد الله -أي:عبد الله بن مسعود؟- قال: وما قال؟ قال: قال عبد الله: لا يسمع الله من مسمع ولا من مراء ولا لاعب، إلا داع دعا بتثبت من قلبه" (صحيح الأدب المفرد:606)
حظ المؤمن من اسم الله تعالى السميع:
1- الله سبحـــانه وتعالى يسمع دبيـــب قلبك..
فالحذر الحذر أن يجد قلبك مُعْرِضًا عنه سبحـــانه، مُقبلاً على ما لا يرضى!
2- دوام الدعاء لله تبارك وتعالى..
فهو سبحانه وتعالى سميع الدعاء، فلُذ بربِّك والجأ إليه بكثرة الدعاء، وخذ بأسباب الإجابة حتى يكون دعاءك أحرى للقبول إن شاء الله تعالى..
ادعُ ربَّك وأنت موقن بالإجابة، بقلب يقظ غير غافل، متحريًا ساعات إجابة الدعاء..
3- أكثر من الشكوى لربِّك السميع سبحـــانه.
كما كان نبي الله يعقوب يقول {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ.} [يوسف:86].
وكما كان حال إبراهيم عليه السلام: {..إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114]، أي: كثير التأوه، كهيئة المريض المتأوه من مرضه، فكان كثير الشكاية والدعـــاء لربِّه، حَلِيمٌ بين الناس أي: ذو رحمة بالخلق، وصفح عما يصدر منهم إليه من الزلات، لا يستفزه جهل الجاهلين، ولا يقابل الجاني عليه بجرمه، فاشكُ حــالك إلى ربِّك السميـــع البصيـــر، الذي يسمع كلامك ويرى مكانك ويعلم سرك ونجـــواك.
4- الله تعالى يسمع دعــائك في كل حـــال..
قال تعالى: {..وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء:110]، سواءً جهرت بدعائك أو أسررت به، يسمعك الله تعالى، فادعُ بصوت أدعى للخشوع والإخلاص، ولا تتكلَّف.
5- دوام المراقبـــــة لله سبحانه وتعالى في السر والعلن..
فالمؤمن الموحِد يراقب ربَّه في سره وعلانيته؛ لعلمه أن ربَّه يسمعه من فوق عرشه وأنه عليمٌ بسره ونجواه، والآية التي ترتعد منها الفرائص، قوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80]، فإلى أين تذهب يــــا مسكيـــن؟! أتحسب أنك ستنفذ من سمع الله عزَّ وجلَّ وبصره؟! فالصــادق في توحيده لربِّه السميــــع، لن يسمع إلا ما يحب ربَّه ويرضـــاه..
6- احفظ سمعك، يستجب الله دعائك..
فكما إن الله سبحانه وتعالى سميـــع مُجيــب للدعـــاء، ينبغي أن لا يسمع العبد سوى ما يحب ربَّه ويرض، أما إذا صرف العبد حاسة السمع في ما لا يُرضي الله عزَّ وجلَّ؛ كسماع الأغاني والمعازف وسماع المُنكرات، أو التجسس على النــاس، ستكون عقوبته من جنس عمله، فلا يستجيب الله تعالى لدعائه.
وحاسة السمع من أهم الحواس وأقواها في الإداراك، لذا قدمها الله تعالى في كلامه عن حواس البشر، قال تعالى: {..إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36]، فينبغي أن يستغلها العبد في سماع دروس العلم ؛ حتى تكون المعلومات أسهل في الاستحضار بعد ذلك، ويحفظ العبد سمعه بالتزامه منهج الله تعالى..
7- من أراد الشهرة وذيـــاع الصيــت، سمَّع الله به، أي فضحه على رؤوس الخلائــق يوم القيــامة..
عن جندب قال: قال النبي: «من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به» (متفق عليه)
كيف ندعو الله سبحـــانه وتعالى باسمه السميـــع؟
ورد الدعـــاء باسم الله تعالى السميـــع في أكثر من موضع من الكتـــاب والسُّنَّة، منها:
دعـــاء إبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:127]، وقوله تعالى عن امرأة عمران: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران:35]، ودعاء زكريا عليه السلام: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38]، وعن أبان بن عثمان قال: "سمعت أبي يقول: قال رسول الله: «ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، فيضره شيء»" (رواه أبو داوود وصححه الألباني)
نسأل الله تبـــارك وتعالى ألا يسمع منا إلا ما يحب ويرضى، وألا يطلِّع في قلوبنـــا إلا على ما يُحب..