عنوان الفتوى : حكم القعود عن الجهاد خوفا على الأهل من الضياع

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

يقول جاري: لن أجاهد في سبيل الله ‏إذ لو مت لهلك أهلي بعدي، لن ‏يجدوا من يصرف عليهم، ويعتني ‏بهم.‏ فقلت له: لن تستطيع دفع الموت لو ‏جاءك!‏ فقال: ولكن إذا ذهبت فجاهدت ‏فقتلت، أكون ألقيت بيدي إلى ‏التهلكة، وأهلي أخاف عليهم من أن ‏يُهانوا في أعراضهم، وأموالهم؟ فهل حجته صحيحة؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فهذا الذي يذكره جارك، ليس حجة، ‏وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ‏أن الشيطان لا يزال يقعد لابن آدم ‏بكل طريق يطاع الله تعالى به، كما ‏حكى الله تعالى عنه قوله:  لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف:16-17}.

‏فالتخذيل عن الجهاد المشروع، ‏والتخويف منه بحجة الخوف على ‏النفس من الهلكة، أو على الأهل ‏والعيال من الضيعة، هو من فعل ‏الشيطان وتربصه بالعبد، قال النبي ‏صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ‏قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق ‏الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك، ‏ودين آبائك، وآباء آبائك؟ فعصاه ‏فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، ‏وقال: تهاجر وتدع أرضك، ‏وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل ‏الفرس في الطول، فعصاه، فهاجر، ‏ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: ‏تجاهد في جهد النفس، والمال، ‏فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، وتقسم ‏الأموال؟ فعصاه فجاهد، فمن فعل ‏ذلك كان حقا على الله أن يدخله ‏الجنة، وإن غرق كان حقا على الله ‏أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابته ‏كان حقا على الله أن يدخله الجنة . ‏رواه أحمد والنسائي عن سبرة بن ‏أبي فاكه -رضي الله عنه- ‏
‏ وليعلم جارك أن الإلقاء باليد إلى ‏التهلكة، إنما يحصل بترك ما أمر الله ‏به، ومن ذلك ترك الجهاد المشروع ‏حيث وجب، فعن أسلم بن عمران ‏قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا ‏صفًّا عظيماً من الروم، وخرج مثله ‏أو أكثر، وعلى أهل مصر عُقبة بنُ ‏عامر صاحبُ رسول الله صلي الله ‏عليه وسلم، فحمل رجلٌ من ‏المسلمين على صفِّ الروم حتى دخل ‏فيهم، فصاح به الناس، وقالوا: ‏سبحان َالله! تُلْقِي بيدك إلى التَّهلُكَة؟! ‏فقام أبو أيوب الأنصاري، فقال: أيها ‏الناس، إنكم تتأولون هذه الآية على ‏هذا التأويل، إنما نزلت هذه الآية فينا ‏معشر الأنصار، إنَّا لما أعزَ اللهُ ‏الإسلام، وكثَّر ناصريه، قلنا بعضُنا ‏لبعض سرًّا من رسول الله صلي الله ‏عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، ‏وإن الله قد أعز الإسلام، وكثَر ‏ناصريه، فلو أقمنا في أموالنا، ‏فأصْلَحْنا ما ضاع منا، فأنزل الله على ‏نبيه صلي الله عليه وسلم يردُّ علينا ‏ما قلنا: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195}، فكانت ‏التَّهلكةُ الإقامةَ في أموالنا ‏وإصلاحَها، وتَرَكنا الغَزْوَ. قال: وما ‏زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله ‏حتى دُفن بأرض الروم. رواه أهل ‏السنن وغيرهم، واللفظ لابن حبان، ‏قال الأرنؤوط: وإسناده صحيح.‏
فالجهاد المشروع هو ذروة سنام ‏الإسلام، وفضائله وما لأهله من ‏المنزلة مما لا يقادر قدره، والمجاهد ‏على خير أبدا، فإما يعود بالأجر ‏والغنيمة، وإما شهادة ينال بها عند ‏الله أرفع الدرجات، وأما أهله وعياله ‏فالله خليفة المجاهد عليهم، فالواجب ‏على المسلم أن يتوكل على ربه، ‏ويحسن ظنه به، ويعلم أنه خير ‏حافظا، وهو أرحم الراحمين، فيؤدي ‏ما أوجبه عليه الشرع كائنا في ذلك ‏ما هو كائن، عالما أن الله أرحم به ‏وبعياله من الأم بولدها. ‏

والله أعلم.‏
 

أسئلة متعلقة أخري
أحوال استئذان الوالدين في الجهاد
هل الأصلح للفلسطيني أن يقدم الجهاد أم طلب العلم
حكم التخلف عن الجهاد بسبب رعاية الزوجة المريضة
قوله تعالى (إلا تنفروا..) هل يدل على أن الجهاد عيني أم كفائي
هل تبطل السرقة الجهاد في سبيل الله؟
هل يجوز تقديم الزواج على الجهاد العيني؟
العصمة من الشر تكون بالقتال وبغيره
أحوال استئذان الوالدين في الجهاد
هل الأصلح للفلسطيني أن يقدم الجهاد أم طلب العلم
حكم التخلف عن الجهاد بسبب رعاية الزوجة المريضة
قوله تعالى (إلا تنفروا..) هل يدل على أن الجهاد عيني أم كفائي
هل تبطل السرقة الجهاد في سبيل الله؟
هل يجوز تقديم الزواج على الجهاد العيني؟
العصمة من الشر تكون بالقتال وبغيره