عنوان الفتوى : حكم إجهاض الجنين من زوجة يهودية خوفا عليه من الفساد
أنا شاب مسلم، عربي، كنت على ضلالة في حياتي. أقطن في دولة إسرائيل، وقد تزوجت من يهودية الأصل، وحسب قانون الدولة فالمسلم للمسلمة، واليهودي كذلك، والنصارى أيضا. فقلت لها: أسلمي أمام القاضي حتى يزوجنا، فادعت الإسلام وتزوجنا. وكانت زوجة محبة مخلصة، ولكنها لا تحب قولا يُتبع فيه الإسلام، ولا تؤمن به ولا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهي لا تؤمن بأي كتاب، تؤمن أن الله واحد أحد، ولكنها لا تؤمن بغير ذلك، ولم تكن ترضى أن تسكن قريبة من أهلي، وقد هداني الله، وأصبحت أصلي، واتقيت الله. فدعوتها بكل الطرق، فلم ترض. وقد رحلت بعيدا عن أمي، وأبي، وإخواني، وأصدقائي وعشت بين اليهود، ولم أعد أحتمل لشدة الفتنة، والتبرج، والفحشاء. فقلت لها: يا زوجتي تعالي معي، فرفضت، قلت الدنيا متاع الغرور، فقالت إني أحبها، فقلت: فأنا اخترت الآخرة، فرحلت إلى أهلي، وهي حامل مني، وفي أحشائها فتاة، والدولة ستحكم لها بها إذا ولدت. أعلم أن الإجهاض حرام، ولكن إذا تربت وترعرعت بين يدي بني صهيون فإني لا أعلم ما مصيرها: الزنا، والخمر، والسهر، والمخدرات. وإذا كلمتها فستسجنني ابنتي إذا ولدت، لا أعلم الغيب، ولكن جدتها ستحرضها علي، فزوجتي قررت الإجهاض، والطلاق، فلا أريد أن أظلمها، وأظلم نفسي، وابنتي. أسأل الله أن يغفر لنا وأن يريحنا جميعا. هل يجوز الإجهاض حفاظا عليها من الفتن والبدع وإني لأعلم أني إذا رأيتها في المستقبل وقد انحلت، فلن أتمالك نفسي وغضبي، وقد أقتلها، وآثم، وأسجن، وقررت أن أتزوج بنت ديني كما أوصى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. أعطوني الحل أرجوكم، وليكن عادلا بإذن الله. بارك الله فيكم. وجزاكم كل خير.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا نملك في البدء إلا أن نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فهذا نوع من البلاء. وقد حث الشرع المسلم على السؤال عما يجهل قبل أن يقدم على العمل، لا سيما وأن الأمر هنا يتعلق بالفروج، والأصل فيها الاحتياط؛ قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}.
قال القرطبي- رحمه الله- عند تفسير هذه الآية: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها؛ لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه، وبلده فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. {النحل: 43}. وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. اهـ.
وإذا كانت هذه المرأة فعلا إنما تظاهرت بالإسلام لأجل الزواج، فليست مسلمة، وفي الوقت نفسه ليست كتابية لكونها لا تؤمن بكتاب سماوي كما ذكرت، والشرع إنما أباح نكاح الكتابية العفيفة إن كانت فعلا على دين أهل الكتاب من اليهودية، أو النصرانية؛ وراجع الفتوى رقم: 7819.
فيجب عليك إذن مفارقة هذه المرأة فورا، فلا يحل لك معاشرتها.
وهذا الجنين ينسب إليك لكونك تعتقد حل نكاحها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ، إذا وطئ فيه، فإنه يلحقه فيه ولده، ويتوارثان باتفاق المسلمين، وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين .... إلى أن قال: فثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر، بل الولد للفراش، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش، وللعاهر الحجر. اهـ.
وإجهاض الجنين إن كان بعد نفخ الروح فيه، فإنه محرم بالإجماع، فلا يجوز الإقدام على إجهاضه إلا لضرورة كالخوف على حياة الأم ونحو ذلك. وأما قبل نفخ الروح فيه فراجع الفتوى رقم: 207151.
وننبه في الختام إلى أن يحرص المسلم على الزواج من امرأة مسلمة، صالحة، كما حث على ذلك الشرع الحكيم.
وننبه أيضا إلى أن الزواج من الكتابية العفيفة وإن كان جائزا في أصله، إلا أنه لا يخلو من مخاطر؛ ولذا كرهه بعض أهل العلم؛ وانظر الفتوى رقم: 5315 ، والفتوى رقم: 124180.
والله أعلم.