عنوان الفتوى : إسقاط أحد الأجنة خوفًا من عدم اكتمال الحمل أو الولادة المبكرة
قمت بإجراء عملية حقن مجهري، وقام الطبيب بزرع اثنين من أجنتي داخل الرحم، وشاء الله أن ينقسم أحد الأجنة بالرحم؛ لأصبح حاملًا بثلاثة أجنة، ويرشح الطبيب أن أقوم بعمل عملية اختزال لأحد الأجنة من الرحم (بالشفط، أو حقنها مادة لتوقف النبض)؛ خوفًا من عدم اكتمال الحمل -لا قدر الله-، أو تأخر نمو الأجنة، أو الدخول في ولادة مبكرة، وما يصاحبها من مشاكل للأجنة. أما بالنسبة لمشاكل الحمل المتعدد على الأم فهي نفس مشاكل الحمل العادي، ولكن قد تزيد النسبة موعد إجراء العملية، فيكون في الشهر الثالث من الحمل، وبفضل الله لا أعاني من مشاكل صحية، فما الحكم الشرعي في إجراء العملية؟ هل هو اعتراض على إرادة الله؛ لأن الطبيب أخذ بالأسباب، وقام بزرع اثنين فقط، ثم شاء الله وانقسموا وزاد جنين؟ ولو رفضت إجراء عملية الاختزال، فهل أكون آثمة إذا ما تم الحمل؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإسقاط الجنين قبل نفخ الروح فيه بإتمام مائة وعشرين يومًا: محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من منعه، ومنهم من أطلق إباحته، قال زين الدين الرازي الحنفي في تحفة الملوك: يباح للمرأة إسقاط الولد ما لم يستبن شيء من خلقه. اهـ. وقال ابن مازة في المحيط البرهاني: هل يباح لها أن تعالج في إسقاط الولد؟ قالوا: يباح ما دام نطفة، أو علقة، أو مضغة لم يخلق له عضو؛ لأنه ليس بآدمي. اهـ. وقال ابن نجيم في البحر الرائق: خلقه لا يستبين إلا في مائة وعشرين يومًا، فيكون أربعين يوما نطفة، وأربعين علقة، وأربعين مضغة. اهـ.
وقال البجيرمي الشافعي في حاشيته على شرح الخطيب: المعتمد: أنه لا يحرم إلا بعد نفخ الروح فيه. اهـ. وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: أفتى أبو إسحاق المروزي بحل سقيه أمته دواء لتسقط ولدها، ما دام علقة، أو مضغة. وبالغ الحنفية فقالوا: يجوز مطلقًا. اهـ. وقال الرملي في نهاية المحتاج: قال الزركشي: وفي تعاليق بعض الفضلاء: قال الكرابيسي: سألت أبا بكر بن أبي سعيد الفراتي عن رجل سقى جاريته شرابًا لتسقط ولدها، فقال: ما دامت نطفة، أو علقة، فواسع له ذلك -إن شاء الله تعالى-. اهـ.
وقال المَرْداوي الحنبلي في الإنصاف: قال في «الفروع»: وظاهر كلام ابن عقيل في «الفنون»: أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح. قال: وله وجه. اهـ.
وهذا القول وإن كنا لا نرجحه بإطلاق إلا أنه يسوغ الأخذ به مع العذر، والحاجة، كحال السائلة؛ حيث الخوف من عدم اكتمال الحمل، أو تأخر نمو الأجنة، أو الدخول في مشاكل الولادة المبكرة، كما ذكرت السائلة.
هذا، مع اعتبار المشقة التي تلحق الأم بولادة ثلاثة توائم، والضرر المتوقع على الأولاد أنفسهم، فنرى أن هذا من الأعذار التي ترخص في إسقاط أحد الأجنة قبل نفخ الروح، قال ابن وهبان في منظومته في فروع الفقه الحنفي:
ويكره أن تسقى لإسقاط حملها وجاز لعذر حيث لا يتصور.
قال ابن عابدين في حاشيته الدر المختار: (قوله: وجاز لعذر) كالمرضعة، إذا ظهر بها الحبل، وانقطع لبنها، وليس لأبي الصبي ما يستأجر به الظئر، ويخاف هلاك الولد، قالوا: يباح لها أن تعالج في استنزال الدم ما دام الحمل مضغة، أو علقة، ولم يخلق له عضو، وقدروا تلك المدة بمائة وعشرين يومًا، وجاز لأنه ليس بآدمي، وفيه صيانة الآدمي ... (قوله: حيث لا يتصور) قيد لقوله: وجاز لعذر. والتصور كما في القنية: أن يظهر له شعر، أو إصبع، أو رجل، أو نحو ذلك. اهـ.
وراجع للفائدة الفتاوى: 158789، 326554، 65114.
وإذا جاز الإسقاط في هذه الحالة، فليس في ذلك اعتراض على إرادة الله تعالى، وإنما هو من باب التداوي، والأخذ بالأسباب، والهروب من قدر إلى قدر، فما سيحصل على أية حال هو من قدر الله عز وجل.
وأما قول السائلة: (ولو رفضت إجراء عملية الاختزال، فهل أكون آثمة إذا ما تم الحمل؟)
فجوابه: أن ليس عليها إثم في الرفض.
والله أعلم.