عنوان الفتوى : لا تعارض بين الترغيب بنكاح المسلمة وجواز نكاح الكتابية
كيف الجمع بين حض النبي صلى الله عليه وسلم على نكاح ذات الدين، وجواز نكاح الكتابية الكافرة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جاء في الموسوعة الفقهية: أنه يجوز للمسلم زواج الحرائر من نساء أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى؛ لقول الله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم. ولأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم تزوجوا من أهل الذمة، فتزوج عثمان رضي الله عنه نائلة بنت الفرافصة الكلبية وهي نصرانية وأسلمت عنده، وإنما جاز نكاح الكتابية لرجاء إسلامها لأنها آمنت بكتب الأنبياء والرسل في الجملة. ومع الحكم بجواز نكاح الكتابية فإنه يكره الزواج منها عند جماعة من أهل العلم، لأنه لا يؤمن أن يميل إليها فتفتنه عن الدين، أو يتولى أهل دينها. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب: طلقوهن. وممن كره الزواج بها أيضا مالك لأنها تتغذى بالخمر والخنزير، وتغذي ولده بهما في فترة إرضاعها له، وهو يقبلها ويضاجعها وليس له منعها من ذلك التغذي، ولو تضرر برائحته، ولا من الذهاب للكنيسة، وقد تموت وهي حامل فتدفن في مقبرة الكفار وهي حفرة من حفر النار وفي بطنها ولده وهو بضعة منه. اهـ.
ومن الأمور الواضحة أنه لا تعارض بين مباح ومستحب، فقد يحض الشرع على شيء ندبا واستحبابا مع كونه يجيز غيره. فشريعة الإسلام وإن أباحت الزواج من الكتابية العفيفة إلا إنها رغبت في نكاح ذات الخلق والدين على سبيل الندب والفضل، وبهذا تكون هذه الشريعة الغراء قد جمعت بين المحاسن كلها، حيث بينت الأفضل ورغبت فيه، ولم تضيق على الناس بتحريم ما عداه مما قد ينتفع به الخلق، فكان ذلك بمثابة الرخصة التي ترفع الحرج ويحصل بها التيسير، ومن أمثلة ذلك أيضا أن الله تعالى أباح لمن لم يستطع الطول الذي هو المهر لنكاح الحرائر المؤمنات، وخاف على نفسه الزنا والمشقة الكبيرة. أباح له نكاح الإماء المملوكات المؤمنات، ومع هذا فقد جعل الله الصبر عن نكاحهن أفضل؛ لما في نكاحهن من تعريض الأولاد للرق، وفي ذلك يقول تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. {النساء:25}
ولا يخفى أن المسلم قد يحصل له في بعض الأحيان ما يجعل نكاح الكتابية حلَّاً أمثل لمشكلته، كحال من يسلم من الغربيين اليوم، أو من تضطره ظروفه من المسلمين للإقامة بين ظهرانيهم، ويخاف على نفسه الفتنة من شيوع التهتك والتبرج هناك، ولا يجد من المسلمات من يعف بها نفسه.
وقد سبق التنبيه على أن المسلم ينبغي أن يختار الزوجة الصالحة ذات الدين والخلق في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 40334 ، 64438 ، 77422. كما سبق بيان مراحل إباحة نكاح الكتابيات، والحكمة من الزواج بهن، في الفتوى رقم: 9894 .
والله أعلم.