أرشيف المقالات

حكم السحرة والعرافين ونحوهم وتصديقهم

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
حكم السحرة والعرَّافين ونحوهم وتصديقهم
 
السؤال:
ما حكم السحرة والعرَّافين ونحوهم وتصديقهم؟

 
الجواب:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد شاع بين كثير من الناس أن هناك من يتعلق بالكهان والمنجمين والسحرة والعرافين وأشباههم؛ لمعرفة المستقبل والحظ وطلب الزواج والنجاح في الامتحان وغير ذلك من الأمور التي اختص الله سبحانه وتعالى بعلمها، كما قال تعالى: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ﴾ [الجنّ: 26-27]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ [النَّـمل: 65].
 
فالكهان والعرافون والسحرة وأمثالهم قد بين الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ضلالهم وسوء عاقبتهم في الآخرة وأنهم لا يعلمون الغيب، وإنما يكذبون على الناس ويقولون على الله غير الحق وهم يعلمون؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اُشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآْخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البَقـَـرَة: 102]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طـه: 69]، وقال تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[الأعـرَاف: 117، 118].
 
فهذه الآيات وأمثالها تبين خسارة الساحر وما له في الدنيا والآخرة، وأنه لا يأتي بخير وأن ما يتعلمه أو يعلمه غيره يضر صاحبه ولا ينفعه، كما نبه سبحانه أن عملهم باطل، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ»[1] متفق على صحته.
 
وهذا يدل على عظم جريمة السحر؛ لأن الله قرنه بالشرك، وأخبر أنه من الموبقات وهي المهلكات، والسحر كفر لأنه لا يتوصل إليه إلا بالكفر، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ﴾ [البَقـَـرَة: 102]، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ»[2].
 
وصح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بقتل بعض السحرة من الرجال والنساء، وهكذا صح عن جندب الخير الأزدي رضي الله عنه أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل بعض السحرة، وصح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل أُناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الكُهَّان، فقال: «لَيْسُوا بِشَيْءٍ»، فقالوا: يا رسول الله..
إنهم يُحَدِّثُونا أحيانًا بشيء فيكون حقًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُهَا[3] فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ؛ فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ»[4] رواه البخاري.
 
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ»[5]، رواه أبو داود وإسناده صحيح، وللنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ؛ وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ»[6]، وهذا يدل على أن السحر شرك بالله تعالى كما تقدم؛ وذلك لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن والتقرب إليهم بما يطلبون من ذبح وغيره من أنواع العبادة، وعبادتهم شرك بالله عزَّ وجلَّ.
 
فالكاهن: من يزعم أنه يعلم بعض المغيبات، وأكثر ما يكون ذلك ممن ينظرون في النجوم لمعرفة الحوادث، أو يستخدمون من يسترقون السمع من شياطين الجن، كما ورد بالحديث الذي مر ذكره.
ومثل هؤلاء من يخط في الرمل أو ينظر في الفنجان أو في الكف ونحو ذلك، وكذا من يفتح الكتاب زعمًا منهم أنهم يعرفون بذلك علم الغيب؛ وهم كفار بهذا الاعتقاد، لأنهم بهذا الزعم يدعون مشاركة الله في صفة من صفاته الخاصة وهي علم الغيب، ولتكذيبهم بقوله تعالى: ﴿ قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ ﴾ [النَّـمل: 65] وقوله: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ﴾ [الأنعـَـام: 59] وقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾ [الأنعـَـام: 50].
 
ومن أتاهم وصدقهم بما يقولون من علم الغيب فهو كافر؛ لما رواه أحمد وأهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أو كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»[7]، وروى مسلم في "صحيحه" عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»[8]، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أو تُطِيِّرَ لَهُ، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ لَهُ، أو سَحَرَ أو سُحِرَ لَهُ.
وَمَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُوْلُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»
[9] رواه البزار بإسناد جيد.
 
وبما ذكرنا من الأحاديث يتبين لطالب الحق أن علم النجوم وما يسمى بالطالع وقراءة الكف وقراءة الفنجان ومعرفة الخط وما أشبه ذلك مما يدعيه الكهنة والعرافون والسحرة - كلها من علوم الجاهلية التي حرمها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أعمالهم التي جاء الإسلام بإبطالها والتحذير من فعلها أو إتيان من يتعاطاها وسؤاله عن شيء منها أو تصديقه فيما يخبر به من ذلك؛ لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به.
 
ونصيحتي لكل من يتعلق بهذه الأمور أن يتوب إلى الله ويستغفره، وأن يعتمد على الله وحده ويتوكل عليه في كل الأمور مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة، وأن يدع هذه الأمور الجاهلية ويبتعد عنها ويحذر سؤال أهلها أو تصديقهم؛ طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحفاظًا على دينه وعقيدته، وحذرًا من غضب الله عليه، وابتعادًا عن أسباب الشرك والكفر التي من مات عليها خسر الدنيا والآخرة.
 
نسأل الله العافية من ذلك، ونعوذ به سبحانه من كل ما يخالف شرعه أو يوقع في غضبه، كما نسأله سبحانه أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعًا من مضلات الفتن ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
 
سماحة الشيخ ابن باز، «مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (2/ 118 - 122)

[1] البخاري (2766، 5764، 6857)، ومسلم (89) و(المُوبِقَات): المُهْلِكَات.

[2] الترمذي (1460)، والدارقطني 3/ 114 (112)، والطبراني في "الكبير" 2/ 161 (1665، 1666)، والحاكم 4/ 360 (8073).
وصحح الترمذي وقفه على جندب بن عبدالله رضي الله عنه.

[3] فيُقَرْقِرُها: أي يُردِّدها، كَقرْقَرة الدجاجة إذا رددت صوتها.

[4] البخاري (7561) بنحوه وزيادة.

[5] أبو داود (3905)، وابن ماجه (3726)، وأحمد (1/ 311).
وحسّنه الألباني في "صحيح أبي داود" (3305).

[6] أخرجه بزيادة في آخره: النسائي (4079)، والطبراني في "الأوسط" (1469)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بسند فيه لين.
قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/ 69): ويتوجه أنه حديث حسن.
وأخرجه بنحوه وزيادة من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: البزار في "مسنده" 9/ 52 (3578).
قال في "مجمع الزوائد" (5/ 117): «ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع وهو ثقة».

[7] لم يروه أحد من هؤلاء الثلاثة بهذا اللفظ؛ بل بزيادة أو اختلاف في العبارة لا تؤثر في المعنى؛ انظر: "مسند أحمد" (2/ 429)، وأبو داود (3904)، والترمذي (135)، وابن ماجه (639).
وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (3304).

[8] مسلم (2230).

[9] البزار ( 9/ 52) من حديث عمران بن حصين، وذكره الهيثمي في "المجمع" (5/ 117) وقال: رجاله رجال الصحيح؛ خلا إسحاق بن الربيع وهو ثقة.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣