عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في إجهاض الجنين المصاب بمرض لا علاج له
رزقت بمولودين، ولكن توفاهما الله بعد الولادة ب 3 شهور، نتيجة لمرض وراثي نادر ( متلازمة ولمان) وبعد التواصل مع الأطباء أفادوا أن هذا المرض لا يوجد له علاج حتى الآن, ومن الممكن الكشف عن المرض مبكرا بأخذ عينة من الجنين.هل من الممكن إذا اكتشفنا إصابة الجنين القادم بنفس المرض أن نجري عملية إجهاض؟ وما المدة الزمنية المسموح فيها بإجراء هذه العملية؟وشكرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا أتم الجنين في بطن أمه مائة وعشرين يوما (أربعة أشهر) فقد نفخت فيه الروح، ولم يجز إجهاضه بلا خلاف بين أهل العلم؛ لأنه قتل للنفس التي حرم الله بغير حق، إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية، من الأطباء الثقات المختصين، أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم، فعندئذ يجوز إسقاطه -سواء كان مشوهاً أم لا-؛ دفعاً لأعظم الضررين .
أما قبل نفخ الروح في الجنين، فهذا محل خلاف بين أهل العلم:
- فذهب الحنفية، والشافعية إلى أن ذلك جائز.
- وذهب الحنابلة إلى أن ذلك يجوز إذا كان قبل تمام الأربعين يوماً.
- وذهب المالكية، وهو قول عند الشافعية، والحنابلة إلى أن ذلك لا يجوز مطلقاً، وهذا هو المفتى به في الشبكة الإسلامية . انظر الفتاوى أرقام : 2385 ، 2016 ، 46342 .
وهذا حكم الإجهاض بشكل عام، أما إذا كانت هناك مصلحة شرعية، أو دفع ضرر متوقع، فيرى بعض الفقهاء جواز الإجهاض في هذه الحالة قبل نفخ الروح في الجنين.
ومن ذلك ما جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة رقم: 71 (4/12) بشأن إسقاط الجنين المشوه خلقيا قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل: إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات - وبناء على الفحوص الفنية، بالأجهزة والوسائل المختبرية - أن الجنين مشوه تشويهاً خطيراً، غير قابل للعلاج، وأنه إذا بقي وولد في موعده، ستكون حياته سيئة، وآلاماً عليه وعلى أهله، فعندئذ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين، والمجلس إذ يقرر ذلك: يوصي الأطباء والوالدين، بتقوى الله، والتثبت في هذا الأمر.
ومن الفقهاء المعاصرين من يقصر الجواز في حالة ما إذا كانت هناك مصلحة شرعية، أو دفع ضرر متوقع، على الأربعين يوما الأولى من عمر الجنين.
وقد نص قرار هيئة كبار العلماء رقم (140) الصادر في الدورة التاسعة والعشرين على ما يلي:
1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي، وفي حدود ضيقة جداً.
2- إذا كان الحمل في الطور الأول وهي مدة الأربعين، وكان في إسقاطه مصلحة شرعية، أو دفع ضرر متوقع، جاز إسقاطه. أما إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد، أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد، فغير جائز.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 8781 ، 65114، 123597 .
لكن الذي قد سبق لنا اختياره وترجيحه من أقول أهل العلم: أن التشوه، وانتقال الأمراض الوراثية، لا يبيح إسقاط الجنين، ما دام الجنين حيا ولم يكن في بقائه خطر على حياة الأم؛ وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 12351 ، 29598 ، 42037 ، 47660، 55363 ، 78020 ، 93727 ، 128540 ، 177101، 193321 ، والفتاوى المربوطة بها .
ومع ذلك فإننا نرى أن القول بالجواز قبل نقخ الروح، له وجاهة، والخلاف فيه معتبر ، ولا حرج على من أخذ به إذا أفتاه به من يثق في علمه وورعه، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 150443 .
لكن ما اخترناه نرى أنه هو الأحوط والأبرأ للذمة، وليُعلم أن لله تعالى حكمة في الابتلاء، علمها من علمها، وجهلها من جهلها. والمرض بيد الله تعالى، ومن قضاء الله تعالى وقدره، وكم من مريض منَّ الله عليه بالشفاء، فعاش حينا من الدهر، وعلى المسلم الرضى بقضاء الله وقدره.
فالذي ننصحك به أن تترك الأمر لله، وأن تستعين به سبحانه، وتتضرع إليه أن يولد لك ولد معافى، وأن ينشأ صالحا. قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ . {غافر:60}.
كما يمكن أن تلجأ إلى الحمل عن طريق التلقيح الصناعي، مع القيام بفحص المحتوى الوراثي للبويضة الملقحة إذا بدأت في الانقسام والتكاثر إلى خلايا، وذلك بأخذ خلية واحدة منها لفحصها، لمعرفة ما إذا كانت مصابة بالمرض الوراثي المطلوب فحصه أو لا، فإن كانت سليمة نقلت باقي الخلايا إلى الرحم، وإن كانت مصابة لم ينقل شيء منها، وقد سبق بيان جواز مثل هذا الفحص في الفتوى رقم: 95014 .
والله أعلم.