عنوان الفتوى : الاختبارات المعملية وحكم إسقاط الجنين المشوه
استحلفك بالله يا شيخنا أن تفتيني سريعا في أمر ألم بي وأهمني فإني والله لا أهنأ في نومي من خوفي من الله وقلقي: أنا فتاه 22 سنة، متزوجة وكنت حاملا ولكن والحمد لله لم يتم الحمل وقصة هذا الحمل كالتالي: لقد تزوجت ورزقني الله بعد الزواج مباشرة بالحمل وكنت في قمة سعادتي والحمد لله، ثم سافرت بعد اكتشاف الحمل مباشرة إلى إحدى الدول الأجنبية المتقدمة، وحدث لي هناك نزيف أكثر من مرة وكان الأطباء يخافون من الإجهاض ولكنه لم يحدث، في ذلك الوقت وأنا وزوجي كنا راضيين بأي شيء قد يحدث ودائما نقول الحمد لله. وأوصاني الطبيب بضرورة المتابعة الجيدة وفعلا حدث وأثناء المتابعة طلبوا مني إجراء اختبارات مبكرة لاكتشاف تشوهات الجنين لإمكانية إجهاضه لو تم اكتشاف شيء ولكن زوجي رفض بشدة، وقال كل شيء بيد الله ولن نجهض حتى لو وجدنا تشوهات ووافقته وتوكلنا على الله وكنت وقتها في بداية الشهر الثاني، ومرت الأيام وأنا أتابع الحمل متابعة عادية وكل شيء مستقر، وفي الشهر الثالث حدث لي نزيف قوي وذهبنا للطبيب وحولني للحالات الحرجة، وعند الفحص بالسونار قال لي الطبيب الطفل غير طبيعي وعنده تشوهات والحمل غير ثابت فبكيت بشدة، وعرض علينا الطبيب إجراء عمليه إجهاض ولكن زوجي رفض وقال حرام أما أنا فكنت أريد الإجهاض. وهذه تفاصيل اليوم الذي اكتشفنا فيه التشوهات: ذهبنا يومها لطبيب الحالات الحرجة وفحصنا وقال النتيجة وعرض الإجهاض وزوجي رفض، وعدنا للمنزل وأنا أبكي وأصر على الإجهاض وزوجي شرح لي أنه حرام ولو أنا أصريت سوف ننفصل لأنه لن يتحمل هذا الوزر، وظللت أبكي وصليت العصر ودعوت كثيرا أن يفعل الله لنا الصالح وكان زوجي في هذا الوقت يكلم أحد أصدقائه وحكى له الموضوع وانتهي الكلام بينهم، ثم جاءني وتحدثنا قليلا وفجأه طرق الباب كثيرا فإذا بصديقه يخبره أنه سأل شيخ في مصر وقال يجوز الإجهاض إذا لم يتم 120 يوم، ورفض زوجي أيضا وكلم صديقه الشيخ أمامه وقال له اسمع بنفسك واقنع زوجي ومرت الأحداث بسرعة غير عادية، سبحان الله اقتنع زوجي وكلم مستشفي لإجراء الإجهاض وعملت استخارة وتم الإجهاض. ومشكلتي الآن في شقين: الأول: دائما أحس بالذنب وإن هذا كان اختبارا من الله وأنا لم أصبر عليه. هل كنت أترك الطفل وبه العديد من التشوهات في القلب والأطراف وخطر الإجهاض في أي وقت لا أعرف أخاف عقاب الله. المشكلة الثانية: قال الطبيب عند كل حمل لابد من إجراء اختبار التشوهات لأنني وزوجي عرضه لتكرر ذلك. فهل أفعل هذه الاختبارات عند كل حمل أم حرام؟ وماذا لو حدث تشوه مرة أخرى هل كل مرة سأجهض لو كان يجوز أم أتركه؟ وهل هذه الاختبارات من التقدم العلمي الذي أنعم الله به علينا ليساعدنا أم هو تدخل في إرادة الله لأن الله لو يريدنا أن ننجب أطفالا مشوهين سيحدث برغم كل شيء؟ أستحلفك بالله رد على الرسالة فأنا لا أنام وأخاف الحمل مرة أخرى؟ وجزاك الله خيرا وعذرا للإطالة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإسقاط الجنين المشوه قبل نفخ الروح محل خلاف بين أهل العلم، والقول بالجواز قول وجيه معتبر من أقوالهم، ولا حرج على السائلة وزوجها في الاعتماد عليه في إسقاط الجنين السابق؛ مراعاة للمصلحة، ودفعا للمضرة المتوقعة، وراجعي في ذلك الفتويين: 8781، 65114.
ومع ذلك فالذي قد سبق لنا اختياره وترجيحه من أقول أهل العلم أن التشوه وانتقال الأمراض الوراثية لا يبيح إسقاط الجنين، وراجعي في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 93727، 128540 ، 46342.
وهذا هو الأحوط والأبرأ للذمة، وإذا عملت السائلة بهذا القول المختار عندنا فلن تجهض بعد ذلك جنينها لحدوث تشوهات به.
وأما مسألة الاختبارات المعملية، فلا شك أنها من التقدم العلمي وأنها من جملة الأخذ بالأسباب، ولا تعني أنها تدخل في إرادة الله تعالى، فإن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه. ومعلوم أن الأخذ بالأسباب من جملة القدر، وقد سبق لنا إيضاح ذلك في الفتوى رقم: 123597.
ثم لا يخفى أن هذه الاختبارات المعملية لا تعني الإجهاض بالضرورة، فإن من فوائدها الحقيقية أنها وسيلة للاكتشاف المبكر للمرض، وهذا قد يسهم في علاجه أو تخفيف حدته، ولو في المستقبل بالنسبة للأمراض التي لا يعرف لها علاج حتى وقتنا هذا، وراجعي الفتوى رقم: 6559.
والله أعلم.