عنوان الفتوى : حكم تصرف الوكيل في مال موكله بغير علمه
توفي والدي وله مال عند بعض الأشخاص ـ وكان يعمل بالتقسيط ـ قام الورثة بتوكيلي في جمع المال والمطالبة بالسداد وجعله في حسابي واتفقنا جميعا أن نتنازل عن هذا المال لبيت والدي ـ رحمه الله ـ للمصاريف، والصيانة، وسداد الفواتير ومسلتزمات الحياة, علما بأن المال يقدر ب 140 ألف ريال تقريبا، فجمعته في حسابي وكنت أصرف على بيت الوالد ـ رحمه الله ـ من هذا المال، علما بأن البيت تسكنه والدتي واثنان من إخواني والباقون مستقلون في منازلهم، وسؤالي لفضيلتكم هو: هذا المال قد اختلط مع مالي وصرفت منه وعملت به وربحت منه وخسرت منه، مع العلم أنني سجلت المصاريف التي كنت أصرفها على بيت الورثة وقد سجلت المال المتبقي، فهل لهم في الربح والخسارة من المال الذي دخل مع مالي؟ أم لهم أصل المبلغ فقط، مع العلم أنني لا أستطيع الآن معرفة الربح والخسارة والمال الذي أدخلته مع مالي، لأن بعض المال صرفته على التزاماتي الشخصية، وكنت أعتقد أنه حلال علي مادمت ضامنا لهم المال وسجلته وأضبطه ومسؤول عن بيت الورثة الذي تسكنه والدتي ومصروفاته إن تطلب الأمر ذلك، إلا أن أحد إخواني لما علم بذلك غضب وقال رد لي مالي الذي تنازلت عنه لبيت الوالد ـ رحمه الله ـ فهل له الرجوع؟ وهل بعض المال الذي دخل مع مالي للتجارة لهم فيه الربح وعليهم الخسارة؟ أم لهم الربح فقط والخسارة أتحملها؟ أم ليس لهم إلا المبلغ الأساسي فقط دون الربح والخسارة؟ وإن كان لهم ربح، فهل يوزع عليهم؟ أم يصرف أيضا الربح على البيت الذي تم التنازل له بالمبلغ؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأنت وكيل عن الورثة في قبض بقية أقساط المدينين ووضعها في حسابك، حسب الاتفاق، وأي تصرف في أموال الورثة من أقساط المدينين غير القبض والوضع يعتبر مخالفة للأمانة، لأن الوكيل أمين، ويترتب عليه الإثم والضمان فليس بصحيح ما ظننته من كفاية معرفة الداخل والخارج لحساب بيت الورثة، بل لا يجوز لك التصرف بأموالهم أصلا إلا في القبض والوضع وبناء عليه، فأموالهم التي أدخلتها في تجارتك إن وقعت لك خسارة، فالخسارة مضمونة عليك، لأن الخسارة تؤخذ من المبلغ الأساسي، وهو مضمون عليك لتصرفك فيه بغير إذن مالكيه.
وأما الأرباح: فأعدل الأقوال أنها مناصفة بينك وبينهم، وفي الحقيقة هذه من مسائل الخلاف القديمة بين أهل العلم، فمن غلب جهة المال أتبع الربح لمالكه، ومن غلب جهة العمل أتبعه لغاصبه، ومن لم ير لهما حقا فيه جعله صدقة, فهذه ثلاثة أقوال، رابعها أعدلها وهو المناصفة بينهما، وهو قضاء الفاروق الأكبر بشهود الصحابة ـ رضوان الله عنهم ـ ووجهه ماذكره شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: فإن النماء حصل بمال هذا وعمل هذا، فلا يختص أحدهما بالربح ولا تجب عليهم الصدقة بالنماء، فإن الحق لهما لا يعدوهما.اهـ
وبسط المسألة والأقوال والأدلة تجده في الفتاوى التالية أرقامها: 10486، 140587، 188561.
والترجيح في الفتوى رقم: 57000.
ومع اختلاط الأموال والأرباح فعليك أن تتحرى وتراجع الحسابات وتعطيهم من الأرباح حتى تطمئن إلى أنك قد أعطيتهم نصف الأرباح، أو أن تتصالحوا فيما بينكم، واعلم أن هذا النصف من الأرباح تابع لأصله، وهو حساب بيت الورثة فيرد فيه، وأما غضب أخيك لتصرفك بنصيبه بغير إذنه، فهو محق في إنكاره عليك، وعليك التوبة وطلب السماح وهكذا من بقية الورثة إن لم تترتب عليه مفسدة أعظم، وأما رجوعه في الهبة: فلا يجوزعند جمهور الفقهاء، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه. متفق عليه من حديث ابن عباس.
وانظرالفتاوى التالية أرقامها: 33730، 34673، 37534، 11760.
وعليه، فخلاصة القول أن ما بقي من مال بيت الورثة مما لم يتم صرفه يلزمك حفظه وعدم التصرف فيه بغير ما أذن لك، وما ربحته من استثمارك لذلك المال لك نصفه وترد نصفه لحساب بيت الورثة؛ بناء على الراجح في ذلك، وتجتهد في تقدير ذلك النصف مادمت تجهله حتى تخرج ما يغلب على ظنك براءة ذمتك به، وأما الأخ: فليس له الرجوع عن هبته.
والله أعلم.