عنوان الفتوى : أرباح المال المسروق والمغصوب ، من يستحقها؟
سرقت مبلغاً من المال من شخص معين بشكل متفرق وشاركت به جماعة آخرين في تجارة بارك الله فيها وبعد عشر سنوات كبر المبلغ بحيث أصبح اضعاف المبلغ الأصليوالآن لا أعلم كم المبلغ المسروق الأصلي ، وطوال العشر سنوات وأنا أصرف من هذه التجارة ولا أستطيع رد المبلغ الأصلي لسفر صاحبه ولا أعلم أين هو فماذا أعمل في الأموال بعد أن تضاعفت وأصبح لدي رأس مال كبير جدا يبلغ عشرات أضعاف المال المسروق وهل لي بدل بذل الجهد في ذلك خلال العشر سنوات من الجهد؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بد هنا من التفريق بين أمرين:
الأول: رأس المال المسروق ، وهذا يجب بذل الوسع في رده إلى صاحبه إجماعاً ، فإن مات رد إلى ورثته ، فإن لم يوجدوا أو تعذر الوصول إليه أو إليهم تصدق به عنه ، فإن عثر عليه بعد ذلك وأمضى الصدقة مضت ، وإلا دفع إليه.
الثاني: الربح الناشئ عن استثمار هذا المال المسروق ، هل يتبع المال فيفعل به ما يفعل بالمال؟ أم يتبع الجهد المبذول فيبقى مع آخذه؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى قولين:
الأول: أن الربح يتبع رأس المال ، ولا يتبع الجهد المبذول إذا كان أخذ بغير إذن مالكه ، وليس لآخذه منه شيء ، وهذا قول أبي حنيفة وأحمد في ظاهر المذهب ، وهو مذهب ابن حزم أيضاً.
الثاني: أن الربح تبع للجهد المبذول ، لا لرأس المال ، ومن ثم يكون الربح الناشئ في استثمار المال الحرام للآخذ وليس لرب المال. وهذا قول المالكية ، والشافعية ، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم:" الخراج بالضمان" رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن القطان.
والراجح -والله أعلم- هو القول الأول القاضي بوجوب رد رأس المال المسروق أو المغصوب والربح الناشئ عنه إلى مالكه ، وقد رجح هذا الإمام الشوكاني ، فقال رحمه الله: "فوائد العين المغصوبة تابعة لها ، فكما يجب رد العين المغصوبة إلى المالك ، كذلك يجب رد فوائدها إليه ، ومن خالف في هذا فليس بيده رواية ولا دراية ، أما الاستدلال بحديث :"الخراج بالضمان" فلا يخفاك أنه وارد في مقبوضة بإذن الشارع ، فكيف يصح إلحاق العين المغصوبة بها" انتهى كلامه رحمه الله. والحاصل أن الأخذ بالقول الأول هو الذي يتماشى مع قواعد الشرع ومقاصده ، فالظالم لا ينبغي أن يستفيد من ظلمه ، لأن من مقاصد الشريعة منع العدوان ، وسد الذرائع الموصلة إليه ، والقول باستحقاق الظالم لغلات الأموال التي أخذها ظلماً وسرقة أوغصباً يتناقض مع هذه المقاصد والغايات الشرعية ، فلو أبيح ذلك لكان الغصب والسرقة طريقاً للربح الحلال ، وهذا ما لم تأت به الشريعة.
وبما تقدم تعلم أن الواجب عليك هو التخلص من هذا المال وأرباحه ، وعليك بالبحث الجاد عن صاحبه ، أو ورثته ، ولو كلفك ذلك صرف بعض هذا المال في سبيل الاطلاع عليهم ، فبادر بذلك قبل أن يداهمك الموت ، فيحول بينك وبين التخلص من هذه الحقوق المتراكمة.
والله أعلم.