عنوان الفتوى : الترهيب من الامتناع عن الجهاد لأجل الجبن
أنا شاب عمري 17 سنة. فأرجو معرفة هل يسقط عني الجهاد أو القتال سواء كان عينا أو كفاية. فأنا أعاني من كثرة الارتباك والخوف، ويخشى علي من الفرار من القتال خصوصا أثناء مواجهة العدو، ليس لأني لا أعلم استعمال الأسلحة، بل فقط لست شجاعا، وأخاف خوفا شديدا في حال القتال قد يجعلني أفر، ولا أستخدم السلاح ببراعة، ويغلب على ظني ذلك كثيرا، وأنا لا أقول هذا خوفا من الجهاد أو من الموت لا والله، بل أنا بطبيعتي جبان وأخاف حتى من الصرصار، مع العلم أني سليم في جسمي. فهل يسقط عني الجهاد ؟ بالاضافة إلى أنه يمكنني المساهمة بالجهاد بالكلمة (الإعلامي ) في موقع الفيسبوك. وبارك الله فيكم على الإجابة السريعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالجهاد إذا صار عينياً فليس لوجوبه شرط سوى القدرة عليه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 8509 . وراجع في شروط الجهاد ومن يسقط عنهم الفتوى رقم: 7730 . وعلى ذلك، فالجهاد إذا تعيَّن فليس الجبن من الأعذار المسقطة له مع سلامة البدن، وحصول وصف الاستطاعة.
والجهاد أنواع مختلفة، وللقيام به صور متعددة، فمن عجز عن صورة لن يعجز عن كل صوره وأنواعه، وراجع الفتويين التاليتين: 117735 // 190025 .
والجبن يمكن التخلص منه بعدة وسائل من أهمها: الدعاء، وتوطين النفس على أن الآجال مكتوبة، وأن قضاء الله نافذ لا محالة، وأن ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه إلى غير ذلك من المعاني العظيمة. وقد روى البخاري في كتاب الجهاد من صحيحه عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر. وبوَّب عليه: (باب ما يتعوذ من الجبن).
وروى أبو داود في كتاب الجهاد من سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: شر ما في رجل: شح هالع، وجبن خالع. وبوَّب عليه: (باب في الجرأة والجبن).
وأورده ابن المناصف القرطبي في (الإنجاد في أبواب الجهاد) في باب: (دواعي الصبر والتفويض، وما يستحب من الشجاعة ويُذمُّ من الجُبن).
وقال المناوي في (فيض القدير): "جبن خالع" أي شديد، كأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه، والمراد به ما يعرض من أنواع الأفكار، وضعف القلب عند الخوف من الخلع، وهو نزع الشيء عن الشيء بقوة، يعني حين يمنعه من محاربة الكفار والدخول في عمل الأبرار، فكأن الجبن يخلع القوة والنجدة من القلب، أو يخلع المتصف به عن كونه من الفحول، أو يخلع الشجاعة ويذهب بها؛ لأنه إذا كان وثابا هجاما في الغمرات كان أعظم الناس منزلة عند الله. اهـ.
وفي هذا بيان لذم الجبن وما يترتب عليه من ترك الواجبات والفضائل.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة: (قاعدة في الانغماس في العدو وهل يباح) قال فيها: قد بيَّن الله في كتابه أن ما يوجبه الجبن من الفرار هو من الكبائر الموجبة للنار، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (الأنفال:15-16) فأخبر أن الذين يخافون العدو خوفا منعهم من الجهاد منافقون فقال: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} (التوبة:56-57) وفي الصحيحين عن النبي أنه عد الكبائر، وذكر منها: "الفرار من الزحف في الصفين"... اهـ.
والله أعلم.