عنوان الفتوى : هل ينال الوالدان أجر جهاد ابنهما إن أذنا له؟
لو أراد الابن الجهاد، ووافق والداه، فهل ينالان أجر ابنهما في الجهاد؟ وماذا لو رفضا، واستمرا في محاولة إقناع ابنهما بالرجوع لهما؟ أقصد في حال كان الجهاد فرض عين على الابن، فهل يحرمان الأجر باعتبار أنهما لم يصبرا ويحتسبا، بل أكثرا من التذمر؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى أن نصبر ونحتسب؟ والمؤسف أن الوالدين قد يعتبران ذهاب ابنهما للجهاد مصيبة، بدلًا من أن يفرحا بذلك، ويعذرانه؛ لأن الجهاد أصبح فرض عين عليه، فهو ينفذ أوامر الله تعالى، ويقوم بأداء فرض كالصلاة، والصيام؛ ولأن الجهاد ذروة سنام الإسلام، وإذا تقبل الله ابنها شهيدًا، فإنه يشفع لهما - بإذن الله تعالى - فيكون جهاد الابن من أعظم البر بالوالدين، كما قال ابن القيم -جزاكم الله تعالى خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق الكلام على حالات تعين الجهاد في الفتويين: 7730، 211174 وإحالاتهما.
وفي حالة تعين الجهاد لا يعتبر إذن الوالدين أصلًا.
جاء في المغني لابن قدامة: إذا وجب عليه الجهاد لم يعتبر إذن والديه; لأنه صار فرض عين، وتركه معصية, ولا طاعة لأحد في معصية الله، وكذلك كل ما وجب مثل الحج, والصلاة في الجماعة، والجمع, والسفر للعلم الواجب.
قال الأوزاعي: لا طاعة للوالدين في ترك الفرائض، والجمع، والحج، والقتال; لأنها عبادة تعينت عليه, فلم يعتبر إذن الأبوين فيها, كالصلاة؛ ولأن الله تعالى قال: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ولم يشترط إذن الوالدين. اهـ.
ومن ثم، فلا ينال الوالدان أجر جهاد ابنهما لمجرد عدم ممانعتهما، وإنما ينالانه إذا أعاناه على جهاده؛ لما ثبت في الصحيحين عن زيد بن خالد - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في سبيل الله بخير فقد غزا.
جاء في فتح الباري لابن حجر: قَوْله: (فَقَدْ غَزَا) قَالَ اِبْنُ حِبَّانَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي اَلْأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَغْزُ حَقِيقَة، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ بُسْرِ بْن سَعِيد بِلَفْظِ: كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْر أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مَنْ أَجْرِهِ شَيْء. وَلِابْن مَاجَهْ، وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ نَحْوه بِلَفْظ: مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا حَتَّى يَسْتَقِلَّ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ يَرْجِعَ.
وَأَفَادَتْ فَائِدَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ اَلْوَعْدَ اَلْمَذْكُورَ مُرَتَّبٌ عَلَى تَمَامِ اَلتَّجْهِيزِ، وَهُوَ اَلْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: حَتَّى يَسْتَقِلَّ.
ثَانِيهمَا: أَنَّهُ يَسْتَوِي مَعَهُ فِي اَلْأَجْرِ إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ تِلْكَ اَلْغَزْوَةُ. اهـ.
أما وقد تذمرا، ورفضا جهاد ابنهما، وحاولا تثبيطه عن الخروج، فأنى يكتب لهما أجر الجهاد؟!
بل يأثم الوالدان إذا منعا ابنهما من الجهاد العيني، أو حاولا إقناعه بتركه؛ لأن ترك الجهاد حينئذ معصية، ومحاولة إقناعهما له بتركه إنما هي أمر بمنكر، ونهي عن معروف.
وحينئذ يجب على الابن المضي في الجهاد، وعدم الالتفات إلى قولهما، لا سيما إن لم تكن بهما حاجة إليه.
جاء في مواهب الجليل شرح مختصر خليل: ومفهوم قوله "فرض كفاية" أنه لو كان فرض عين لم يحتج لإذنهما، ولو لم يكونا في كفاية، وهو كذلك، لكن قال القرطبي في شرح مسلم في كتاب البر والصلة: إذا تعين الجهاد، وكان والده في كفاية، ولم يمنعاه أو أحدهما بدأ بالجهاد، فلو لم يكونا في كفاية تعين عليه القيام بهما، فيبدأ به، فلو كانا في كفاية ومنعاه لم يلتفت لمنعهما؛ لأنهما عاصيان بذلك المنع انتهى. ومذهب المدونة ما قاله المصنف. اهـ.
والله أعلم.