عنوان الفتوى : هل الجهاد من أجل أعراض ودماء المسلمين يعتبر جهادا لإعلاء كلمة الله؟
من أراد الجهاد لأسباب دنيوية مثل الشجاعة، أو الحمية، أو الرياء يعتبر جهاده باطلاً؛ لأنه لم يرد به وجه الله. والجهاد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله. ولكن من جاهد في سبيل الله من أجل أسباب دينية مثل الفوز بأجر الشهيد، أو جاهد للدفاع عن أعراض، ودماء المسلمين المنتهكة. فهل يعتبر هذا الجهاد في منزلة من جاهد لإعلاء كلمة الله؟ وهل يعتبر النفير لأجل أعراض ودماء المسلمين شبيها بمن قاتل حمية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالذي يقاتل طلبا للثواب من الله تعالى، أو رغبة في الشهادة، فإنه مجاهد وينال أجر الشهيد إن قتل, وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الجهاد بذكر الثواب وقال: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض.
قال الإمام ابن دقيق العيد في شرح عمدة الأحكام عند شرحه لحديث: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قال: الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: مُؤْمِنٌ، قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَالْمُجَاهِدُ لِطَلَبِ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَيَشْهَدُ لَهُ: فِعْلُ الصَّحَابِيِّ - وَقَدْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «قُومُوا إلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ» - فَأَلْقَى الثَّمَرَاتِ الَّتِي كُنَّ فِي يَدِهِ، وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ قَاتَلَ لِثَوَابِ الْجَنَّةِ، وَالشَّرِيعَةُ كُلُّهَا طَافِحَةٌ بِأَنَّ الْأَعْمَالَ لِأَجْلِ الْجَنَّةِ أَعْمَالٌ صَحِيحَةٌ، غَيْرُ مَعْلُولَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ صِفَةَ الْجَنَّةِ، وَمَا أَعُدْ فِيهَا لِلْعَامِلِينَ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْعَمَلِ، وَمُحَالٌ أَنْ يُرَغِّبَهُمْ لِلْعَمَلِ لِلثَّوَابِ، وَيَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُولًا مَدْخُولًا. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وَاشْتَمَلَ طَلَبُ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ عَلَى طَلَبِ رِضَاهُ، وَطَلَبِ ثَوَابِهِ، وَطَلَبِ دَحْضِ أَعْدَائِهِ وَكُلُّهَا مُتَلَازِمَةٌ ... اهــ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- في تفسير " كلمة الله " الواردة في الحديث قال: و" كَلِمَةُ اللَّهِ "هِيَ خَبَرُهُ وَأَمْرُهُ: فَيَكُونُ أَمْرُهُ مُطَاعًا مُقَدَّمًا عَلَى أَمْرِ غَيْرِهِ، وَخَبَرُهُ مُطَاعًا مُقَدَّمًا عَلَى خَبَرِ غَيْرِهِ. اهــ.
والقتال من أجل الذب عن أعراض المسلمين، وحفظ دمائهم هو من القتال لإعلاء كلمة الله؛ لأن كلمة الله الشرعية جاءت بحفظ دمائهم وأعراضهم، وعدم أذيتهم، والذب عنهم، وأن المسلم لا يخذل المسلم ولا يُسلمه, فمن قاتل مراعيا هذه المقاصد فقد قاتل لإعلاء كلمة الله.
وأما من قاتل لمجرد أنهم قومه، فهذا هو القتال لأجل الحمية.
قال الحافظ في شرح قوله: " وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً " أَيْ لِمَنْ يُقَاتِلُ لِأَجْلِهِ مِنْ أَهْلٍ أَوْ عَشِيرَةٍ .. اهــ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: المجاهد الذي يقاتل حمية للمسلمين، أو يقاتل رياءً للناس ليمدحوه، أو يقاتل لما فيه من الشجاعة؛ لا يكون قتاله في سبيل الله عز وجل. اهــ.
وانظر لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: 185427، والفتوى رقم: 152319.
والله تعالى أعلم.