عنوان الفتوى : حكم استخدام المرأة في التجسس على الأعداء
ما حكم خلع الحجاب, والاختلاط, والمعاشرة بغرض التجسس على الأعداء؟ ولكم مني جزيل الشكر والامتنان.
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد في كتب الفقه, ولا كتب السياسة الشرعية, أحدًا من أهل العلم ذكر مسألة عمل المرأة في التجسس، لا من القدماء, ولا من المعاصرين, حتى من قام منهم بعمل موسوعي في موضوع أحكام المرأة بصفة عامة، كالدكتور عبد الكريم زيدان في موسوعته: (المفصل في أحكام المرأة), أو في أحكام التجسس بصفة خاصة، كالدكتور محمد راكان الدغمي في رسالته للماجستير: (التجسس وأحكامه في الشريعة الإسلامية).
ونحن لا نعرف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلفائه الراشدين، ولا من تبعهم من أمراء المسلمين، أنهم عرضوا عرض امرأة مسلمة للسلب بأي مرتبة من المراتب، ولا بأي صورة من الصور؛ من أجل تحقيق نصر عسكري، أو تجنب هزيمة في مواجهة, بل الذي عرفناه من سيرته صلى الله عليه وسلم أن أقام الحرب مع يهود بني قينقاع من أجل أنهم تآمروا على كشف عورة امرأة مسلمة، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 205042.
وعرفنا كذلك من رجال الصحابة الحرص على التصون, واجتناب الفواحش؛ حتى لو أدى ذلك إلى التعريض للقتل على أيدي الأعداء في بلاد الكفر، كما في قصة مرثد بن أبي مرثد الغنوي، الذي كان يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها: عناق، وكانت صديقة له في الجاهلية، فوعد رجلًا من أسارى مكة يحمله، فجاء حتى انتهى إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، فجاءت عناق فأبصرته, فلما انتهت إليه عرفته, فقالت: مرثد؟ فقال: مرثد! فقالت: مرحبًا وأهلا, هلم فبت عندنا الليلة, فقال: يا عناق, حرم الله الزنا, فقالت: يا أهل الخيام، هذا الرجل يحمل أسراكم, فتبعه ثمانية رجال منهم، فصعد جبلًا فانتهى إلى كهف, أو غار, فدخل, فجاؤوا؛ حتى قاموا على رأسه, فبالوا, وظل بولهم على رأسه, وأعماهم الله عنه، ثم رجعوا, ورجع هو إلى صاحبه فحمله ... إلى نهاية القصة. رواها الترمذي, وأبو داود, والنسائي، وحسنها الألباني, فلم يتذرع ـ رضي الله عنه ـ بكونه يعمل في بيئة خطرة، ويقوم بمهمة صعبة في أرض الأعداء، وهي فك أسرى المسلمين.
ولذلك فإننا نرى أنه لا يجوز استخدام المرأة المسلمة في مهمة تجسس على الأعداء, ما دام ذلك يستدعي حصول محاذير شرعية في مسألة الحجاب, والاختلاط المحرم، فضلًا عن ما فوق ذلك من ارتكاب الفواحش! وقد سبق لنا ذكر ضوابط التجسس على الكفار، ونبهنا فيها على حرمة فعل أي منكر من زنا, أو شرب خمر, أو لواط تحت أي ظرف، وذلك في الفتوى رقم: 8789, ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 178595.
وإنما الذي يجوز ارتكابه في مثل هذه الأحوال أن يكذب المرء على الأعداء, أو يوري في كلامه معهم، كما في قصة قتل محمد بن مسلمة لكعب بن الأشرف، وقد رواها البخاري وبوب عليها: باب الكذب في الحرب وبوب عليها أبو داود باب: (في العدو يُؤتى على غرة ويُتشبه بهم. وراجع الفتويين: 8237، 46150. ومن ذلك أيضا قصة نعيم بن مسعود في غزوة الخندق, وراجع الفتوى رقم: 28097.
والله أعلم.