عنوان الفتوى : السبي يقطع نكاح المرأة المسبية
كنت أطلع على الآية القرآنية التي تقول: وما ملكت أيمانهم. وعلمت أنها تعني أن الرجل له الحق أن يجامع جاريته. وعلمت كذلك أن كثيرا من الجواري كن سبيا في الحروب بين المسلمين وغيرهم. فسؤالي هو: هل يجوز جماع الجارية التي سبيت من زوجها أي أنها كانت متزوجة قبل أن تسبى؟وعندي سؤال آخر: إذا رفضت الجارية الجماع مع سيدها، هل يجوز له إرغامها على ذلك بالضرب أو ما شابه ذلك؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الإجابة عن سؤالك ننبه على أن الحديث عن تفاصيل أحكام الرق الآن غير مستحسن لأن الرق لم يعد له وجود الآن، فالسؤال عنه من الأسئلة التي لا طائل من ورائها لأن كل سؤال لا يترتب عليه عمل فهو مستقبح شرعا، وإنما يحسن السؤال عما ينفع ويتبعه عمل.
يقول الشاطبي رحمه الله في الموافقات: كل مسألة لا ينبني عليها عمل؛ فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعي، وأعني بالعمل: عمل القلب وعمل الجوارح، من حيث هو مطلوب شرعا، والدليل على ذلك استقراء الشريعة، فإنا رأينا الشارع يُعرض عما لا يفيد عملا مكلفا به. انتهى.
فالأولى الإعراض عن الحديث عن أمر الرق لأننا لا يمكن أن نتصور ظروفه وأحواله، ولذا قد يجد الإنسان في هذا الزمان حكما معينا خاصا بالرقيق مسطورا في كتب الفقهاء ودواوينهم فيستغربه بل وقد يستشنعه وهو في الحقيقة غير مستقبح ولا مستشنع عند أصحابه الذين عاصروه، وإنما نشأ هذا في عقول أهل الأزمان المتأخرة التي لم تشهد ظروف هذه الظاهرة الغريبة أعني الرق، وليس من رأى كمن سمع.
أما عن سؤالك فإننا ننبهك على أمر هام وهو أنه لا تلازم بين ظهور الإسلام والرق بل الرق واقع يحياه الناس قبل ظهور الإسلام بأزمنة طويلة وقرون مديدة، وقد بينا هذا في الفتويين التاليتين:93501، 4492.
وبينا في الفتوى رقم: 2372، أن المرأة إذا كانت متزوجة وسبيت فإن السبي يقطع نكاحها ويجوز حينئذ لمن ملكها أن يطأها بعد أن يستبرىء رحمها حذرا من اختلاط الأنساب، لقوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. {النساء:24}.
قال القرطبي في تفسيره حكاية عن بعض السلف في تفسير هذه الآية: المراد بالمحصنات هنا المسبيات ذوات الأزواج خاصة، أي هن محرمات إلا ما ملكت اليمين بالسبي من أرض الحرب، فإن تلك حلال للذي تقع في سهمه وإن كان لها زوج. وهو قول الشافعي في أن السباء يقطع العصمة.
ثم حصل خلاف بين العلماء هل تباح لمالكها مطلقا سواء سبيت المرأة مع زوجها أم إنها لا تباح له إلا إذا سبيت وحدها.
قال القرطبي: والمشهور من مذهب مالك أنه لا فرق بين أن يسبى الزوجان مجتمعين أو متفرقين. وروى عنه ابن بكير أنهما إن سبيا جميعا واستبقي الرجل أقرا علي نكاحهما، فرأى في هذه الرواية أن استبقاءه إبقاء لما يملكه، لأنه قد صار له عهد وزوجته من جملة ما يملكه، فلا يحال بينه وبينها، وهو قول أبي حنيفة والثوري، وبه قال ابن القاسم ورواه عن مالك. انتهى.
وليس في هذا عدوان على المرأة المسبية ولا انتهاك لحقوقها لأن هذا حكم شرعي حكم به الله سبحانه وينبغي للمسلم أن يقابل أوامر الله بالتسليم، إضافة إلى أنه عند التأمل تظهر حكمة هذا التشريع لأن المسبية إذا دخلت في ملك الرجل بحكم السبي فإنها غالبا ستنضم إلى عياله وأهله، وهي امرأة لها حاجاتها ومتطلباتها النفسية والجنسية فلو منعنا الرجل من وطئها ففي هذا فتنة له لأنها امرأة مقيمة معه في بيته تقوم على خدمته وتشاركه خصوصياته فهي أمام عينيه صباح مساء، وفيه أيضا فتنة لها نظرا لاحتياجها لما تحتاجه النساء فاقتضت حكمة اللطيف الخبير أن يبيحها لسيدها ليحصل الإعفاف لكل منهما بدلا أن يقعا في الحرام أو تلجأ الجارية إلى فعل الفواحش والمنكرات فينبت في المجتمع نابتة من ملك اليمين تشيع فيه الفاحشة والرذيلة، وفي هذا معاملة كريمة للمرأة المسبية إذ إنها بذلك تعامل معاملة سيدتها، إضافة إلى أن هذا سيفتح لها باب العتق لأنها إذا حملت من سيدها وأنجبت فقد صارت أم ولد وأم الولد تخرج من الرق الكامل خروجا جزئيا بمجرد الوضع للمولود وتعتق عتاقا كاملا بمجرد موت سيدها.
أما إذا أراد سيدها الجماع وامتنعت عنه فإن له إجبارها عليه وليس ذلك بمستقبح لأنه يستوفي حقه، بل قد أبيح للرجل أن يجبر زوجته على الجماع إذا امتنعت عنه بلا سبب معتبر كما بيناه في الفتوى رقم: 121876.
والله أعلم.