عنوان الفتوى : مسائل حول الاستغفار
هل يجوز أن أنوي الاستغفار بنية أمر كذا أرجو من اللَّه أن يحققه لي، ويكون استغفاري مثلاً من بداية الشهر فأنوي أن يكون أي وقت أستغفر فيه اللَّه عز وجل طيلة هذا الشهر وفي أي وقت بنية بأن يغفر اللَّه ذنوبي وبالنية التي نويتها في أول الشهر، أتمنى أن أكون وفقت في شرح المقصود من
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن من آثار الاستغفار وثمراته نزول رحمة الله وحصول عافية الدنيا وتمام مصالحها، ورفع العذاب عن أهلها، كما قال تعالى: لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون {النمل: 46}.
وقال عز وجل: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {الأنفال: 33}.
وقال سبحانه: وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ {هود: 3}.
وقال تبارك وتعالى: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ {هود: 52}.
وقال عز من قائل: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا {نوح:12،11،10}.
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ. رواه أبو داود وضعفه الألباني.
وهذه النصوص ظاهرة في أن هذه الثمرات للاستغفار تحصل بوجوده ولا تتوقف على نية استدفاع البلاء أو استمطار الرحمة أو تيسير الحاجة وما أشبه ذلك.
والمقصود أن السائل لا يحتاج لأن ينوي بالاستغفار جلب منفعة أو دفع مضرة، فإن ذلك حاصل على أية حال، سواء نوى حاجة معينة أو لم ينو، فينبغي أن يكون اهتمامه بتحصيل أسباب قبول الاستغفار، ومن هذه الأسباب حضور القلب وحصول اليقين بالإجابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ. رواه الترمذي وأحمد. وحسنه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: أذنب عبد ذنبا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك. رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
ومن ذلك تحري صيغ الاستغفار المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق بيان بعضها في الفتويين: 51755، 56086.
كما سبق ذكر طرف من ثمرات الاستغفار في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 24902، 39154، 29748، 30361.
ثم ننبه السائل الكريم على أنه إن جمع بين الاستغفار وبين الدعاء بحاجته التي يريد، فإن هذا أكمل وأقرب لحصول المطلوب، وليقدم الاستغفار على المسألة، كما في الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لي ذنبي ، ووسع لي في داري ، وبارك لي فيما رزقتني. رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
والله أعلم.