عنوان الفتوى : هل يجوز الدعاء على المسلم الظالم بالردة؟ وهل يؤجر من دعا بذلك؟
من المعلوم أن الدعاء عبادة، وقد جاء في الحديث: الدعاء العبادة، فهل يجوز الدعاء على المسلم الظالم بالردة؟ ومن المعلوم أن الإنسان إذا مات مرتدًّا، فقد حبط عمله، وأنا أحب أن تبطل أعمال هؤلاء الظلمة، فهل لي أن أدعو الله أن يميتهم وهم مرتدون؟ وهل أثاب على الدعاء في هذه الحالة كبقية الأدعية؟ علمًا أن الكلام، والنصيحة، لا تفيد مع كثير من الخلق.
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن محبطات الأعمال ليست محصورة بالموت على الكفر -والعياذ بالله-، وإن كان الكفر هو أكبر المحبطات، والمحبط لجميع الحسنات، وانظر بعض محبطات الأعمال في الفتوى: 57512، والفتوى: 41314.
والدعاء على أعداء الله تعالى المصرين على الكفر به، المحاربين لدينه، أمرٌ مشروع، كما بيناه بأدلته في الفتوى: 20322، لكن لا يجوز الدعاء على مسلم بأن يرتد عن الإسلام، وقد ذكر الفقهاء أن هذا الدعاء لا يجوز، وأنه معصية، قال النووي في الأذكار: لو دعا مسلم على مسلم، فقال: اللَّهمّ اسلبه الإِيمانَ، عصى بذلك، وهل يكفر الداعي بمجرد هذا الدعاء؟ فيه وجهان لأصحابنا، حكاهما القاضي حسين من أئمة أصحابنا في الفتاوى: أصحُّهما: لا يكفر، وقد يُحتجّ لهذا بقول الله تعالى إخبارًا عن موسى صلى الله عليه وسلم: رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا.. الآية [يونس: 88]، وفي هذا الاستدلال نظر. وإن قلنا: إنَّ شرعَ من قبلنَا شرعٌ لنا. اهــ. وقال النفراوي المالكي في الفواكه الدواني: اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِ الْعَاصِي بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ: قَالَ ابْنُ نَاجِي: أَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِنَا بِالْجَوَازِ، مُحْتَجًّا بِدُعَاءِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [يونس: 88] الْآيَةَ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْكَافِرِ الْمَأْيُوسِ مِنْ إيمَانِهِ، كَفِرْعَوْنَ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي الْمَقْطُوعِ لَهُ بِالْجَنَّةِ، إمَّا ابْتِدَاءً، أَوْ بَعْدَ عَذَابٍ. اهـ.
وقد ذكر القرطبي أن هذا الدعاء من موسى على فرعون وملئه، إنما كان بعد علمه بالوحي بأنه لا يرجى منهم الإيمان، قال -رحمه الله تعالى-: قَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ النَّاسِ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ: كَيْفَ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَحُكْمُ الرُّسُلِ اسْتِدْعَاءُ إِيمَانِ قَوْمِهِمْ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ نَبِيٌّ عَلَى قَوْمِهِ، إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ اللَّهِ، وَإِعْلَامٍ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ لِنُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-:" أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ"، وَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: "رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّارًا". اهــ.
وإذا ظهر لك -أخي السائل- أن هذا الدعاء لا يجوز، فإنك لا تثاب عليه، بل تأثم، والقاعدة في هذا أن ما كان من الدعاء محرمًا، فإن صاحبه يأثم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَالْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ فِي شَرْعِنَا: أَنَّ الدُّعَاءَ إنْ كَانَ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا، فَهُوَ حَسَنٌ، يُثَابُ عَلَيْهِ الدَّاعِي. وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا، كَالْعُدْوَانِ فِي الدِّمَاءِ، فَهُوَ ذَنْبٌ، وَمَعْصِيَةٌ. وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا، فَهُوَ يُنْقِصُ مَرْتَبَةَ صَاحِبِهِ. وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ، فَلَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ. اهـ.
والله تعالى أعلم.