هل تصح نية واحدة لصيام شهر رمضان كاملا أم النية تكون عند كل ليلة؟
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
هل تصح نية واحدة لصيام شهر رمضان كاملاًأم النية تكون عند كل ليلة؟
مقدمة:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[1]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾[2]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾[3].
أما بعد:
فناوي القربة يثاب على مجرد نيته من غير العمل، ولا يثاب على أكثر الأعمال إلا إذا نوى؛ لأن النية منصرفة بنفسها وصورتها إلى الله تعالى، ولذلك يثاب عليها وحدها، وأما الفعل المجرد عن النية فإنه متردد بين ما هو لله تعالى وما هو لغيره، أي بين العادة والعبادة، فهو غير منصرف بنفسه وصورته إلى الله تعالى، ولذلك لا يثاب عليه.
المبحث الأول: مفهوم النية لغةً واصطلاحًا.
لغةً:
النية في اللغة: مصدر نوى، والاسم النية، بتشديد الياء عند أكثر اللغويين، والتخفيف فيها لغة محكية.
وتأتي النية لمعان، منها: القصد، فيقال: نوى الشيء ينويه نية: قصده، كانتواه وتنواه، ومنها: الحفظ، فيقال: نوى الله فلانا: حفظه.
والنية: الوجه الذي يذهب فيه، والأمر الذي تنويه، وتوجيه النفس نحو العمل.
اصطلاحًا:
والنية اصطلاحا: عرفها الفقهاء بتعريفات منها تعريف الحنفية بأنها قصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى في إيجاب الفعل.
ودخل في التعريف المنهيات، فإن المكلف به الفعل الذي هو كف النفس[4].
وعرفها المالكية بأنها قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله، فهي من باب العزوم والإرادات لا من باب العلوم والاعتقادات[5].
وعرفها الشافعية بأنها قصد الشيء مقترنا بفعله[6].
وعرفها الحنابلة بأنها: عزم القلب على فعل العبادة تقربا إلى الله تعالى، بأن يقصد بعمله الله تعالى دون شيء آخر، من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح منهم، أو نحوه[7].
المبحث الثاني: تحرير محل النزاع.
اختلف الفقهاء في نية صيام شهر رمضان، فذهب الجمهور إلى تجديد النية في كل يوم من رمضان، من الليل أو قبل الزوال - على الخلاف السابق - وذلك لكي يتميز الإمساك عبادة عن الإمساك عادة أو حمية[8].
ولأن كل يوم عبادة مستقلة، لا يرتبط بعضه ببعض، ولا يفسد بفساد بعض، ويتخللها ما ينافيها، وهو الليالي التي يحل فيها ما يحرم في النهار، فأشبهت القضاء، بخلاف الحج وركعات الصلاة.
وذهب زفر ومالك - وهو رواية عن أحمد - أنه تكفي نية واحدة عن الشهر كله في أوله، كالصلاة.
وكذلك في كل صوم متتابع، ككفارة الصوم والظهار، ما لم يقطعه أو يكن على حالة يجوز له الفطر فيها، فيلزمه استئناف النية، وذلك لارتباط بعضها ببعض، وعدم جواز التفريق، فكفت نية واحدة، وإن كانت لا تبطل ببطلان بعضها، كالصلاة[9].
المبحث الثالث: الأقوال في المسألة والأدلة.
المذهب الأول:
أن كل يوم يفتقر إلى نية سواء نية صوم رمضان والقضاء والكفارة والنذر والتطوع وبه قال أبو حنيفة وإسحق بن راهويه وداود وابن المنذر والجمهور[10].
المذهب الثاني:
قال المالكية: تجزئ نية واحدة لرمضان في أوله، فيجوز صوم جميع الشهر بنية واحدة[11].
أدلة المذهب الأول:
لأن صوم كل يوم عبادة على حدة، غير متعلقة باليوم الآخر، بدليل أن ما يفسد أحدهما لا يفسد الآخر، فيشترط لكل يوم منه نية على حدة[12].
أدلة المذهب الثاني:
ودليلهم أن الواجب صوم الشهر، لقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، والشهر: اسم لزمان واحد، فكان الصوم من أوله إلى آخره عبادة واحدة، كالصلاة والحج، فيتأدى بنية واحدة[13].
المبحث الرابع: الراجح وسبب الترجيح.
والراجح أن صيام شهر رمضان صوم واجب، فوجب أن ينوي كل يوم من ليلته، كالقضاء.
ولأن هذه الأيام عبادات لا يفسد بعضها بفساد بعض، ويتخللها ما ينافيها، فأشبهت القضاء، وبهذا فارقت اليوم الأول.
وعلى قياس رمضان إذا نذر صوم شهر بعينه، فيخرج فيه مثل ما ذكرناه في رمضان[14].
المبحث الخامس: ثمرة الخلاف.
وثمرة الخلاف في المسألة أن عندنا الآن قولان، فلو أخذنا بالقول الأول أنه لابد من نية مستقلة لكل يوم من أيام رمضان، وتبييت هذه النية من الليل، ولو أخذنا بالقول الثاني، فتكفي نية واحدة في أول الشهر للشهر كله، وقد بينا أن القول الأول هو الراجح.
الخاتمة:
النية مهمة جدًّا فهي شرط لصحة العمل وقبوله وإجزائه، ومحلها القلب، وهي لازمة في كل عمل، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى).
متفق عليه[15].
والنية في الشرع: هي العزم على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى، وهي قسمان:
1 - نية العمل: بأن ينوي الوضوء، أو الغسل، أو الصلاة مثلاً.
2 - نية المعمول له، وهو الله عز وجل، فينوي بالوضوء، أو الغسل، أو الصلاة، أو غيرها التقرب إلى الله وحده، وهي أهم من الأولى.
المراجع:
1.
حاشية رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار فقه أبو حنيفة.
المؤلف: ابن عابد محمد علاء الدين أفندي.
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر.
سنة النشر: 1421هـ - 2000م.
مكان النشر: بيروت.
2.
حاشية الجمل على المنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري.
المؤلف: العلامة الشيخ سليمان الجمل رحمه الله.
دار النشر: دار الفكر - بيروت.
3.
الذخيرة.
المؤلف: شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي.
تحقيق: محمد حجي.
الناشر: دار الغرب.
سنة النشر: 1994م.
مكان النشر: بيروت.
4.
كشاف القناع عن متن الإقناع.
المؤلف: منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي الحنبلي (المتوفى: 1051هـ).
الناشر: دار الكتب العلمية.
5.
المغني لابن قدامة.
المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620هـ)
الناشر: مكتبة القاهرة.
الطبعة: بدون طبعة.
تاريخ النشر: 1388هـ - 1968م.
6.
المجموع شرح المهذب ((مع تكملة السبكي والمطيعي)).
المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ).
الناشر: دار الفكر.
7.
الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ.
الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها.
المؤلف: أ.د.
وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ.
أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله.
بجامعة دمشق - كلّيَّة الشَّريعة.
الناشر: دار الفكر - سوريَّة - دمشق.
8.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد.
المؤلف: أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد (المتوفى: 595هـ).
الناشر: دار الحديث - القاهرة
الطبعة: بدون طبعة.
تاريخ النشر: 1425هـ - 2004 م.
9.
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج.
المؤلف: محمد الخطيب الشربيني.
سنة الولادة / سنة الوفاة.
تحقيق: الناشر: دار الفكر.
سنة النشر: مكان النشر: بيروت.
10.
القوانين الفقهية.
المؤلف: أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي (المتوفى: 741هـ).
[1] سورة آل عمران: آية 102.
[2] سورة النساء: آية 1.
[3] سورة الأحزاب: آيات 70-71.
[4] رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار 1 / 72 دار إحياء التراث العربي - بيروت.
[5] الذخيرة ص 234-235 نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت.
[6] حاشية الجمل مع شرح المنهج 1 / 107 دار إحياء التراث العربي - بيروت.
[7] المغني، لابن قدامة 1 / 110 مكتبة ابن تيمية.
[8] كشاف القناع، للبهوتي 2 / 315.
[9] الدر المختار ورد المحتار 2 / 87.
[10] المجموع شرح المهذب، للنووي.
(6 /302)، والمغني، لابن قدامة.
(3 /111).
[11] الفقه الإسلامي وأدلته، للزحيلي.
(3 /57)، وبداية المجتهد، لابن رشد 282 /1 وما بعدها.
[12] مغني المحتاج، للشربيني 424 /1.
[13] القوانين الفقهية، لابن جزي: ص 117.
[14] المغني، لابن قدامة.
(3 /111).
[15] متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1) واللفظ له، ومسلم برقم (1907).