الحقوق الزوجية


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف بإذن الله عز وجل عن العباد الغمة.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخواني في الله: إن الفرائض والواجبات وحقوق الأزواج والزوجات أمانة وأي أمانة؛ برئت من حملها الأرض والسماوات، وفزعت من عبئها الجبال الشم الشامخات الراسيات .. برئت من حملها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا. حملتها على ظهرك، ووضعتها أمانة في عنقك، لكي ترهن بها بين يدي ربك.

الحقوق والواجبات والأمانات والمسئوليات حقوق أودعها الله تبارك وتعالى في قلوب عباده، وأخذ عليهم العهد والميثاق أن يفوا بها، وأن يقوموا بها تقرباً إليه جل شأنه.

إنها الحقوق التي وفى بها عباد لوجه الله، فعدلوا بين أزواجهم وأهليهم، وبناتهم وبنيهم، فأنزلهم الله منابر من نور في الجنة، يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المقسطين على منابر من نور يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء) وفي حديث أحمد في مسنده : (على منابر من لؤلؤ بين يدي الرحمن).

إنهم أهل الوفاء الذين قاموا بأداء الحقوق بكل حب وصفاء.

إنهم أهل الوفاء الذين تفطرت قلوبهم من خشية الله أن يحاسبهم على تلك الحقوق فتغل أعناقهم عند لقاء الله.

إنها الحقوق التي قربت عباداً إلى الله، وأبعدت من أضاعها عن جوار الله.

إنها الحقوق التي أضاعها رجال فخرجوا من القبور حفاة عراة قد شلّت أجسادهم.

إنها الحقوق التي أضاعها نساء فخرجت الواحدة منهن من الدنيا والجنة عليها حرام.

إنها الحقوق التي أمر الله تبارك وتعالى بها عباده، فكم نزل بها جبريل، وكم سطر بها في القرآن لله من قيل.

إنها الحقوق التي طالما وقف النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فأدمع لها العيون، وسكب لها الجفون، وأخشع لها القلوب، حتى وقف النبي صلى الله عليه وسلم موقفاً ما وقف قبله ولا بعده، وكان آخر عهده بأمته في ذلك الموقف.

وقف يوم حجة الوداع أمام مائة ألف نفس من أمته صلوات الله وسلامه عليه، ففتح الله له القلوب والأسماع، فأحل الحلال وحرم الحرام، وأبان الشريعة وفصل الأحكام.

وقف صلوات الله وسلامه عليه فخشعت القلوب من كلامه، وأذعنت لربها من جلال ذلك الموقف العظيم، وكان من خطبته المشهورة وكلماته المأثورة: (فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله).

اتقوا الله في النساء؛ وصية من النبي صلى الله عليه وسلم لكل مؤمن يؤمن بلقاء الله تعالى، وأبان حقوق الزوج على زوجته، وأبان حقوق الزوجة على زوجها، وأشهد الله على البلاغ، فشهد العباد وشهدت الأرض أنه بلغ لله حجته، وأدى لله أمانته ورسالته.

إنها الحقوق التي رغب فيها ورهب: رغب في أدائها تقرباً إلى الله وتحببا، ورهب من إضاعتها حتى لا يغل العبد بها بين يدي الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

نماذج من سير الصحابة في الوفاء مع زوجاتهم وأزواجهم

ولقد سمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خطبته، ورقت قلوبهم إذ سمعوا موعظته، فكانوا رضوان الله عليهم أبلغ ما يكونون وفاء، وأصدق ما يكونون حباً للأهل وصفاء، كان الواحد منهم يخاف من زوجتيه أن تغل عنقه إذا لم يعدل بينهما.

هذا معاذ بن جبل صاحب الفقه والعمل، القارئ الثابت، العابد القانت، كانت له زوجتان، أثر عنه رضي الله عنه وأرضاه: [أنه إذا كانت الليلة لواحدة منهما وأصبح، لم يشرب في بيت الأخرى] كل ذلك يخاف أن يكون ظالماً، يخاف من كأس من الماء أن يقوده إلى النار، ويوجب عليه سخط الجبار ونقمة القهار.

إنها القلوب التي عرفت الله حتى شاء الله تبارك وتعالى أن تموت كلتا زوجتيه في يوم واحد، فغسلتا وكفنتا، وصلى الناس عليهما، وكان الناس في ذلك اليوم في شغل، فما حضر الجنازة إلا القليل، فلما دنا من قبره وأراد أن يقبر الزوجتين احتار رضي الله عنه أيتهما يقدم! خاف -من الله- أن يقدم إحداهما فيحاسبه الله بعد وفاتهما على ظلمهما، حتى إنه رضي الله عنه أقرع بين المرأتين، فلما أقرع بينهما خرجت القرعة على واحدة منهما، فقدمها في القبر. فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل أعالي الفردوس مثواك، إذ وفيت وصية رسول الله في أهلك وزوجك، رضي الله عنك وأرضاك إذ خفت من ربك، وخشيت من لقاء إلهك.

إنها القلوب التي تعرف الله، وتخشى لقاء الله.

إنها الحقوق التي ما أنزلها الله في القرآن عبثا، ولا وقف النبي صلى الله عليه وسلم يرهب منها ويدعو إليها عبثا، إنها الحقوق التي تسطر من أجلها الأقوال والأفعال، فتقاد إلى الله حسيراً كسيراً أسيراً بما قاله اللسان، وبما انطوى عليه الجنان، وبما اقترفته اليدان.

أين هذه النماذج الكريمة؟

أين هذه الأمة العظيمة الرحيمة من نماذج اليوم؟

الوعيد الشديد لمن فرط في حق أهله

رجل تزوج امرأة فمكث معها ثلاثين عاماً، فكانت أماً لأبنائه وبناته، كم طعم من طعامها، وكم اكتسى من لباسٍ غسلته يداها .. وكم .. وكم لها عليه من فضل، فلما تولى شيء من جمالها، وغدت بعد مشيبها وكبرها تزوج عليها الثانية، فأنسته الأولى، ومكث أكثر من عشر سنوات لم يدخل بيتها، ولم يطعم طعامها، ولم يطأ فراشها .. تحلف بالله العظيم أن له أكثر من عشر سنوات ما وطئ فراشها، ولا طعم طعامها، ولا دخل بيتها .. ويلٌ له من الله ما أشقاه وما أرداه! ويل له من الله إذ ظلم وفجر! ولم يخف الله عز وجل في زوجتيه.

لقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كانت له زوجتان فلم يعدل بينهما إلا جاء يوم القيامة وشقه مائل) مشلول والعياذ بالله! يقوم أمام العباد حافياً عارياً مشلول الجسد -والعياذ بالله- ويلٌ له ثم ويلٌ له إذا تعلقت به تلك المظلومة، واستمسكت به تلك المحرومة في يوم يفر فيه المرء من أخيه، وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه!

فالله.. الله! ما أعظمها من حقوق تقرب إلى الله!

الله.. الله! ما أعظمها من حقوق توجب رضا الله أو سخط الله!

ضرورة التذكير بالحقوق الزوجية

لذلك أحبتي في الله يحتاج المؤمن إلى من يذكره بهذه الحقوق، وإلى من يحرك في قلبه الخوف من الله، ومراقبة الله في حقوق الأهل والزوجات .. والزوجة بحاجة إن كانت مؤمنة بلقاء الله إلى من يذكر قلبها، ويرقق فؤادها، ويدلها على عظيم حق بعلها، إنها الحقوق العظيمة التي أنزل الله عز وجل من أجلها الآيات، وحبرت على المنابر العظات البالغات.

أحبتي في الله.. هي الحقوق التي وصَّى بها النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال: (فاستوصوا بالنساء خيرا) فبيض الله وجه امرئ حفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم في أهله، ونضر وجه زوجة حفظت وصية الله في بعلها، أحبتي في الله: في هذا الزمان الذي عظمت غربته، واستخف الرجال بحقوق النساء، واستخف النساء بحقوق الرجال .. كم نحن بحاجة إلى من يذكر بهذه الحقوق.

إن البلاء كل البلاء، والمصيبة كل المصيبة؛ أن تجد الرجل ظالماً، ولكن لم يسمع يوماً قط من أخيه كلمة تذكره بالله في حقوق زوجته، والمصيبة كل المصيبة أن تكون المرأة ظالمة لزوجها، فلم تسمع يوماً من الأيام كلمة من صديقاتها تدلها على عظيم حق بعلها.

إلى الله المشتكى من غربة الدين بين المؤمنين! ومن تقاعس الناس في طاعة رب الناس، وخوف ما له من شدة وبأس، ومن ضعف القلوب عن التذكير بالله؛ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!!

فهذه كلمات تضمنت بعض الحقوق والواجبات.

ولقد سمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خطبته، ورقت قلوبهم إذ سمعوا موعظته، فكانوا رضوان الله عليهم أبلغ ما يكونون وفاء، وأصدق ما يكونون حباً للأهل وصفاء، كان الواحد منهم يخاف من زوجتيه أن تغل عنقه إذا لم يعدل بينهما.

هذا معاذ بن جبل صاحب الفقه والعمل، القارئ الثابت، العابد القانت، كانت له زوجتان، أثر عنه رضي الله عنه وأرضاه: [أنه إذا كانت الليلة لواحدة منهما وأصبح، لم يشرب في بيت الأخرى] كل ذلك يخاف أن يكون ظالماً، يخاف من كأس من الماء أن يقوده إلى النار، ويوجب عليه سخط الجبار ونقمة القهار.

إنها القلوب التي عرفت الله حتى شاء الله تبارك وتعالى أن تموت كلتا زوجتيه في يوم واحد، فغسلتا وكفنتا، وصلى الناس عليهما، وكان الناس في ذلك اليوم في شغل، فما حضر الجنازة إلا القليل، فلما دنا من قبره وأراد أن يقبر الزوجتين احتار رضي الله عنه أيتهما يقدم! خاف -من الله- أن يقدم إحداهما فيحاسبه الله بعد وفاتهما على ظلمهما، حتى إنه رضي الله عنه أقرع بين المرأتين، فلما أقرع بينهما خرجت القرعة على واحدة منهما، فقدمها في القبر. فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل أعالي الفردوس مثواك، إذ وفيت وصية رسول الله في أهلك وزوجك، رضي الله عنك وأرضاك إذ خفت من ربك، وخشيت من لقاء إلهك.

إنها القلوب التي تعرف الله، وتخشى لقاء الله.

إنها الحقوق التي ما أنزلها الله في القرآن عبثا، ولا وقف النبي صلى الله عليه وسلم يرهب منها ويدعو إليها عبثا، إنها الحقوق التي تسطر من أجلها الأقوال والأفعال، فتقاد إلى الله حسيراً كسيراً أسيراً بما قاله اللسان، وبما انطوى عليه الجنان، وبما اقترفته اليدان.

أين هذه النماذج الكريمة؟

أين هذه الأمة العظيمة الرحيمة من نماذج اليوم؟

رجل تزوج امرأة فمكث معها ثلاثين عاماً، فكانت أماً لأبنائه وبناته، كم طعم من طعامها، وكم اكتسى من لباسٍ غسلته يداها .. وكم .. وكم لها عليه من فضل، فلما تولى شيء من جمالها، وغدت بعد مشيبها وكبرها تزوج عليها الثانية، فأنسته الأولى، ومكث أكثر من عشر سنوات لم يدخل بيتها، ولم يطعم طعامها، ولم يطأ فراشها .. تحلف بالله العظيم أن له أكثر من عشر سنوات ما وطئ فراشها، ولا طعم طعامها، ولا دخل بيتها .. ويلٌ له من الله ما أشقاه وما أرداه! ويل له من الله إذ ظلم وفجر! ولم يخف الله عز وجل في زوجتيه.

لقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كانت له زوجتان فلم يعدل بينهما إلا جاء يوم القيامة وشقه مائل) مشلول والعياذ بالله! يقوم أمام العباد حافياً عارياً مشلول الجسد -والعياذ بالله- ويلٌ له ثم ويلٌ له إذا تعلقت به تلك المظلومة، واستمسكت به تلك المحرومة في يوم يفر فيه المرء من أخيه، وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه!

فالله.. الله! ما أعظمها من حقوق تقرب إلى الله!

الله.. الله! ما أعظمها من حقوق توجب رضا الله أو سخط الله!

لذلك أحبتي في الله يحتاج المؤمن إلى من يذكره بهذه الحقوق، وإلى من يحرك في قلبه الخوف من الله، ومراقبة الله في حقوق الأهل والزوجات .. والزوجة بحاجة إن كانت مؤمنة بلقاء الله إلى من يذكر قلبها، ويرقق فؤادها، ويدلها على عظيم حق بعلها، إنها الحقوق العظيمة التي أنزل الله عز وجل من أجلها الآيات، وحبرت على المنابر العظات البالغات.

أحبتي في الله.. هي الحقوق التي وصَّى بها النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال: (فاستوصوا بالنساء خيرا) فبيض الله وجه امرئ حفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم في أهله، ونضر وجه زوجة حفظت وصية الله في بعلها، أحبتي في الله: في هذا الزمان الذي عظمت غربته، واستخف الرجال بحقوق النساء، واستخف النساء بحقوق الرجال .. كم نحن بحاجة إلى من يذكر بهذه الحقوق.

إن البلاء كل البلاء، والمصيبة كل المصيبة؛ أن تجد الرجل ظالماً، ولكن لم يسمع يوماً قط من أخيه كلمة تذكره بالله في حقوق زوجته، والمصيبة كل المصيبة أن تكون المرأة ظالمة لزوجها، فلم تسمع يوماً من الأيام كلمة من صديقاتها تدلها على عظيم حق بعلها.

إلى الله المشتكى من غربة الدين بين المؤمنين! ومن تقاعس الناس في طاعة رب الناس، وخوف ما له من شدة وبأس، ومن ضعف القلوب عن التذكير بالله؛ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!!

فهذه كلمات تضمنت بعض الحقوق والواجبات.

أعظم الحقوق الزوجية وأجلها على الإطلاق، وأعظم الواجبات الشرعية: حق الله على الزوجين، الله الذي أحل لك حلالها، وأباح لك طيبها ومسها، الله الذي أذن لك بنكاحها، وسهل لك السبيل للوصول إليها.

فيا أيها الزوجان: إن لله عليكما حقاً عظيماً أن تقيما بيت الزوجية على حبه ورضاه، وخشيته وتقواه، وعلى العبودية، والتمسك بالحنيفية، والأمر بالصلاة والزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبيض الله وجه رجل أقام أوامر الله في بيته، وبيض الله وجه امرأة أقامت أوامر الله في بيت بعلها.

كم من نساء صالحات ثبت الله بهن القلوب على الطاعات، وكم من نساء بخل الأزواج عليهن لأنهم كانوا بعيدين عن الله، وغريبين عن الله، ومعتدين على حدود الله، فما مضت الأيام إلا والقلوب قد خشعت لربها، وأذعنت لخالقها، فدلّت وبصّرت وهدت، فنعم والله المرأة، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لامرأة نضحت في وجه زوجها الماء لتقيمه للعبادة، ورغَّبته في الطاعة والزهادة (رحم الله امرأة قامت من الليل فأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء، ورحم الله رجلاً قام من الليل فأيقظ أهله، فإن أبت نضح في وجهها الماء).

ولقد أخبر الله تبارك وتعالى عن هذا الواجب والحق العظيم في كتابه، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر بطاعته، وأن يحبب في مرضاته، فقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132] قال بعض العلماء: إني لأرجو من الله ألا يأمر أحدٌ أهله بطاعة الله إلا كفاه الله رزقه؛ لأن الله تعالى يقول: لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132] فاستنبط بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن من حفظ حق الله في أهله أن الله لا يعييه في رزقٍ لهم.

وقال بعضهم: إنه كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر في بيته وزوجه، وكان قد بلغه قول هذا العالم، يقول: وقد جربت ذلك فوجدته حقا، حتى إنه تمر علي الليلة لا أجد فيها الطعام، فآوي إلى الزوجة لا تخاصمني ولا تعاتبني، فما هو إلا شيء يشغلها عن الرزق، فأنام وتنام في رحمة من الله.

وقال بعضهم: كان بيتي مليئاً بالمشاكل، وكانت أبغض ساعة عندي تلك الساعة التي أدخل فيها بيت الزوجية، فشاء الله أن يهدي قلبي إليه، فعرفت سبيل المساجد، وقمت مع كل راكع وساجد، فأصبحت أسعد ساعة عندي تلك الساعة التي أدخل فيها إلى بيتي.

ما حفظ مؤمن حق الله في أهله إلا وفقه الله، ولن يسيئه الله في أهله وزوجه؛ لأنه من وفّى لله وفّى الله له، ولذلك أثنى الله على نبي من أنبيائه في كتابه، فقال جل شأنه وتقدست أسماؤه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً [مريم:54-55] فما أمر أحد أهله إلا أرضاه الله في أهله وكان عند ربه مرضيا، حتى قال بعض العلماء: من دلائل رضوان الله عن العبد توفيقه له بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بيت أهله.

فالله .. الله! في هذا البيت الذي أقمته بتوفيق الله ورحمته! ليكن أول ما يجعله الزوج والزوجة نصب أعنيها إذا دخلا إلى بيت الزوجية إرضاء الله سبحانه وتعالى؛ فأول ما يفكر فيه الإنسان الصالح الموفق .. الذي يريد الحياة السعيدة الهنيئة هو طاعة الله ورسوله. والله ما دخلت إلى بيت زوجية وفي نيتك وقلبك أنك تقيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أهلك وزوجك وأولادك إلا متعك الله، وجعل بيتك نعم البيت إذ تأوي إليه، وإذ تضفي إليه..

فالله الله في هذا الحق العظيم! والله ما تنكد العيش، ولا تنغصت الحياة، ولا تنكدت العشرة الزوجية بشيء مثل عصيان الله عز وجل، والتمرد على الله وعلى أوامر الله!

الله الله أن تدخل على زوجتك فتراها على منكر لا يرضاه الله، فلا تأخذك حمية الدين أن تذكرها، ويرق لها شعورك، وتخاف منها أكثر من خشيتك من ربها!

الله الله إذ رأيتها فلم تأمرها بطاعة ربها، فجئت يوم القيامة فتعلقت بك بين يدي الله، وقالت: رباه! سل زوجي؛ رآني نائمة وما أيقظني للصلاة! يا رب! سل زوجي؛ سمع مني ما لا يرضيك فما نهاني! يا رب! سل زوجي؛ رآني على معصيتك: انظر إلى الحرام أو أسمع الآثام وما نهاني عن حدودك، وما رهبني من معاصيك!

الله الله أن توقفك ذلك الموقف!

ولذلك قال بعض العلماء في قول الله تعالى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:34-36] يفر من أهله وزوجه خوفاً من معصية ومنكر رآهم عليه، فيسأله بين يدي الله عن ذلك.

أما الحق الثاني فقد أمر الله تبارك وتعالى به في أكثر من آية من كتابه، وهو ثمرة الخوف والخشية من الله عز وجل: العشرة بالمعروف خلق الأوفياء، وشأن الكرماء.. العشرة بالمعروف التي أمر الله عز وجل بها في كتابه، فقال سبحانه وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19].

قال ابن عباس : [الخير الكثير أن تكره المرأةَ فتصبر عليها، فيرزقك الله منها ولداً صالحاً فيه خير كثير] وقال الله تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231] أي: إنه قد ظلم نفسه وسيلقى من الله ما يكون جزاءً وفاقاً لعمله.

فلا يحسبن الظالم إذا أمسك الزوجة للإضرار أن الله غافل عن إضراره، لا والله، فكم لله من نقم وسطوات تنزلت بسبب تلك الدعوات من النساء المظلومات، وكم من رجل تنغصت عليه عيشته، وتنكدت عليه حياته بظلمه لمؤمنة آمنت بالله، فرفعت كفها مظلومة فاشتكت إلى الله! فإن الله قد سمع شكوى المرأة من فوق سبع سماوات، تقول عائشة : [إنه ليخفى علي بعض كلامها، فسبحان من وسع سمعه الأصوات. سمعها من فوق سبع سماوات تجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعلها، وتشتكي إلى الله من زوجها]، فأنزل الله عز وجل فيه قرآناً، وأبقى للعباد من شأنها فرقاناً.

أحبتي في الله: أمر الله بالمعاشرة بالمعروف وهي خصلة الكرماء، وشيمة البررة الأوفياء، شيمة الصالحين، وخلق عباد الله المتقين.

ولذلك لما سأل رجلٌ الحسن البصري رحمه الله، فقال له: [يا إمام! إن لي ابنة، لمن أزوجها؟ قال: زوجها التقي، فإنه إن أمسكها برها، وإن طلقها لم يظلمها] فمن يتقي الله هو الذي يمسك بالمعروف، وهو الذي يفارق بإحسان.

يقول الله تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أي: إن أمسكتم النساء في عصمتكم فأمسكوهن على الشيمة والوفاء وحسن العهد والذمة والمحبة والصفاء .. أمسكوهن إمساك الخير لا إمساك الإضرار، فهذه وصية الله لعباده.

ولذلك كان السلف الصالح رحمهم الله، إذا أرادوا تزويج الرجل وسأل عن شرط الولي، قالوا: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقال عبد الله بن عباس في تفسير قول الله تعالى: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:21] قال: [الغليظ: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان] غليظ لكنه على المؤمن يسير، ميثاق غليظ: أي: إن الله أمر كل مؤمن يؤمن بلقائه وبكتابه أن يمسك بالمعروف، فهذا ميثاق غليظ من الله.

فالله الله أن ينظر الله إليك يوماً من الأيام وأنت تمسك المرأة بقصد الأذية! فإن الله تعالى جعل القلوب محل النظر. والغريب أن الله تعالى يقول للكفار: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً [الأنفال:70] فهم كفار، لكن لو علم الله في قلوبهم خيراً لأعطاهم على قدر نياتهم، فكيف بالمؤمن؟! فالقلب محل النظر من الله عز وجل.

والله! ما أخفى إنسان في سريرته وقلبه نية سوء إلا فضحه الله عز وجل، ولا تحسبن الله غافلاً عن عباده!

حقيقة الإمساك بالمعروف

وما معنى الإمساك بالمعروف الذي وصى الله به في كتابه، ووصى به نبيه صلى الله عليه وسلم أصحابَه والأمةَ جمعاء؟ الإمساك بالمعروف أن تنظر إلى شمائل النبي صلى الله عليه وسلم حتى ترى العشرة الوفية في أبهى صورها وأجمل حللها.. أن تنظر إلى ذلك النبي الكريم في أخذه وعطائه، وحبه ووفائه .. ذلك النبي الكريم الذي ما آذى امرأة من نسائه.. ما سب يوماً من الأيام امرأة من نسائه، ولا آذى يوماً من الأيام زوجة من زوجاته، ولا تذمر في وجه واحدة قط صلوات الله وسلامه عليه، ولا وضعت إحداهن طعاماً بين يديه فسبها أو شتمها أو عاب طعامها.

نماذج للمعاشرة بالمعروف

يقول أنس رضي الله عنه وأرضاه: [صحبت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ما لمست ديباجاً ولا حريراً ألين من كفه، ولا قال لي يوماً من الأيام قط: أف] طفل صغير ما قال له يوماً من الأيام: أف، فكيف بامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر؟!

يأتي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة فيقول: (يا عائشة ! هل عندكم شيء، قالت: لا، قال: إني إذاً صائم) ما قال: فعل الله بك وفعل .. ما قال: أين طعامنا؟ تقول عائشة: (وإني لأضع يدي على بطنه أرى أثر الجوع) صلوات الله وسلامه عليه.

شيمة ووفاء أبلغ ما يكون من الحب والصفاء والرحمة والشفقة والخيرية للأهل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ما سمع منه يوماً من الأيام إساءة إلى زوجة من زوجاته، وكان يتحبب إلى المرأة حتى ينادي بالترخيم، فيقول لـعائشة : (يا عائش!) يدللها ويعطف عليها صلوات الله وسلامه عليه، ولما أمره الله أن يخير نساءه، وأخبر عائشة رضي الله عنها وأرضاها بحكم الله فيه وفي نسائه، فقال لها: (لا تعجلي، استأذني والديك، فقالت رضي الله عنها: أفيك أختار يا رسول الله؟!).

لو لم يكن وفياً صلوات الله وسلامه عليه ورحيماً بأهله ما اختارته رضي الله عنها وأرضاه. تلك السيرة العطرة، والمواقف الجميلة النضرة .. من المحبة والصفاء والشيمة والوفاء، فصلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين .. مع هذا كله يلاطف ويعاشر مع القول بالفعل!

خرج صلى الله عليه وسلم معها إلى قباء فسابقها فسبقها صلوات الله وسلامه عليه، فطلبته الثانية فسبقها، حتى إذا بدن وكبر عليه الصلاة والسلام سبقته رضي الله عنها وأرضاها، فيقول لها يطيب خاطرها: (هذه بتلك)، قلوب تعلقت بالله، وأذعنت لجلال الله، فتقربت إلى الله بالإحسان إلى الأهل.

أحبتي في الله: إنها العشرة التي يحب الله أهلها وأصحابها، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم دالاً لك ومعرفاً إذا أردت أن تعرف خيرية الإنسان أن تنظر إليه مع أهله (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) إذا أردت أن تعرف خير الرجل، فانظر إلى ذلك الرجل الذي تؤذيه امرأته فيحسن إليها، وتهينه فيكرمها، وتحرمه فيعطيها.. إلى ذلك الرجل القادر على الانتقام ولا ينتقم لوجه الله، والقادر على الطلاق ولا يطلق لوجه الله، والذي ما ذهبت زوجته يوماً من الأيام تشتكي إلى أبيها.

وإن في الرجال من هو على الصبر والتذمم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولقد بلغ ببعضهم أنه آذته امرأته، وأصبحت تسبه وتشتمه، حتى سمع بعض طلابه ذلك السب والشتم، فقيل له: لا تسرحها؟ فسكت، ثم قيل له: هلا أجبتها؟ أي: أين الرجولة؟! أجبها، فقال: أستحي من الله أن يسمع مني كلمة لأهلي لا ترضيه.

يريدون لقاء الله خفيفين من الأحمال والأوزار، وقد يسلط الله على العبد أهله فيؤذى ويصبر لوجه الله عز وجل، فمن الناس من يؤذى في أهله فيصبر ويحتسب .. فيجمع الله له بين خيري الدنيا والآخرة.

ولذلك قال الله عز وجل عن نبيه زكريا: وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [الأنبياء:90] قال بعض العلماء: كانت زوجته قاسية فظة عليه، فصبر لوجه الله عز وجل، حتى قلبها الله في آخر حياتها فأصبحت ذات الخلق الحسن، وكم من أناس صبروا على أذية الزوجات فبلغهم الله عز وجل بذلك الصبر أعالي الدرجات، وأوجد لهم الحب وجزيل الحسنات، وكفر عنهم بتلك البلايا عظيم السيئات، فوافوا الله عز وجل بحسنات عظيمة، وأجور كريمة، ومنهم من جمع الله له بين الحسنيين، وآتاه حسن العاقبتين، فأصلح له أهله في الدنيا قبل أن يلقاه، ثم أصلحها له من بعده.

وقد حدثني بعض الإخوان أن أمه كانت شديدة على أبيه، وكان صابراً لوجه الله، وكانت تؤذيه وتضطهده حتى تهينه بين يدي أولاده، وهو يصبر ويحتسب، ومن العجيب أنها ما كانت تسبه وتشتمه إلا أجاب بذكر لله عز وجل، إما أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو حسبنا الله ونعم الوكيل، أو يقول لها: يا أمة اللهّ! اتقي الله في نفسك، ويذكرها بالله. يقول: ما سمعت منه يوماً من الأيام إساءة إلى والدتي، مع شديد قبح الألفاظ وشناعتها التي تؤذيه بها، يقول: فصبر واحتسب، فشاء الله عز وجل في آخر حياة الأب أن مرض، فقلب الله قلبها حناناً وعطفاً وشفقة عليه، يقول: كنا مسافرين، فكانت الأم هي التي ترعاه، وتقوم على شأنه، إلى درجة أن أعمامي -إخوة أبي- لا يأتونه خوفاً من الإصابة بالعدوى، فما صبرت إلا تلك المرأة، ومع هذا اختاره الله إلى جواره، وبعد وفاته أصبحت تكثر له من الدعوات والاستغفار وتذكره بصالح الدعوات، وإذا ذُكِر خشعت من ذكراه مما تتذكر من صبره عليها.

وكم من أناس صبروا لوجه الله تعالى، أولئك الرجال الذين يخرجون من الدنيا، وقد أسروا قلوب زوجاتهم في محبة الله ومرضاة الله! ومع الخير الموجود في الرجال فإنه موجود كذلك في النساء، فكم من أمة لله صابرة على أذية بعلها، وكم من أمة لله صابرة على أذية زوجها.

من النساء من تؤذى وتهان وتضرب وتذل، ولا أحد يعرف بذلك الأمر، ومن النساء من تؤذى وتهان في بيت زوجها بأمور لا يعلمها إلا الله، وما اطلع أحد على ذلك السر، ولا علم به أحد فهي صابرة ومحتسبة لوجه الله.

وحدثني بعض الأخيار أن أختاً له أوذيت وضربت حتى كان من أثر الأذية جرحاً في جسدها، يقول: فجاءت إلى بيتها، فقيل لها: ما هذا؟ فادعت شيئاً غير الضرب، يقول: وما علمنا بذلك.

من النساء من هن صابرات لوجه الله، ويحتسبن الأجر عند الله، فطوبى لهن وحسن مآب.

فالله الله في المعاشرة بالمعروف!

إياكَ أن تكون المرأة أوفى لله منك! وإياكِ أن يكون الزوج أوفى لله منكِ! حاولي قدر الاستطاعة أن تكوني أبر لله، وليحاول الرجل أن يكون أبر لله وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] فإن بيوت المؤمنين لا تعرف هذه المشاكل، ولا تعرف تنغيص العيش؛ لأنها إذا اختلفت في أمر فعندها كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دواءً شافياً، وعلاجاً كافيا، نسأل الله العظيم أن يرزقنا وإياكم المعاشرة التي ترضيه لوجهه، ونعوذ بالله العظيم أن يطلع على عورة منّا تغضبه في عشرة الأهل والأبناء.

وما معنى الإمساك بالمعروف الذي وصى الله به في كتابه، ووصى به نبيه صلى الله عليه وسلم أصحابَه والأمةَ جمعاء؟ الإمساك بالمعروف أن تنظر إلى شمائل النبي صلى الله عليه وسلم حتى ترى العشرة الوفية في أبهى صورها وأجمل حللها.. أن تنظر إلى ذلك النبي الكريم في أخذه وعطائه، وحبه ووفائه .. ذلك النبي الكريم الذي ما آذى امرأة من نسائه.. ما سب يوماً من الأيام امرأة من نسائه، ولا آذى يوماً من الأيام زوجة من زوجاته، ولا تذمر في وجه واحدة قط صلوات الله وسلامه عليه، ولا وضعت إحداهن طعاماً بين يديه فسبها أو شتمها أو عاب طعامها.

يقول أنس رضي الله عنه وأرضاه: [صحبت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، ما لمست ديباجاً ولا حريراً ألين من كفه، ولا قال لي يوماً من الأيام قط: أف] طفل صغير ما قال له يوماً من الأيام: أف، فكيف بامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر؟!

يأتي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة فيقول: (يا عائشة ! هل عندكم شيء، قالت: لا، قال: إني إذاً صائم) ما قال: فعل الله بك وفعل .. ما قال: أين طعامنا؟ تقول عائشة: (وإني لأضع يدي على بطنه أرى أثر الجوع) صلوات الله وسلامه عليه.

شيمة ووفاء أبلغ ما يكون من الحب والصفاء والرحمة والشفقة والخيرية للأهل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ما سمع منه يوماً من الأيام إساءة إلى زوجة من زوجاته، وكان يتحبب إلى المرأة حتى ينادي بالترخيم، فيقول لـعائشة : (يا عائش!) يدللها ويعطف عليها صلوات الله وسلامه عليه، ولما أمره الله أن يخير نساءه، وأخبر عائشة رضي الله عنها وأرضاها بحكم الله فيه وفي نسائه، فقال لها: (لا تعجلي، استأذني والديك، فقالت رضي الله عنها: أفيك أختار يا رسول الله؟!).

لو لم يكن وفياً صلوات الله وسلامه عليه ورحيماً بأهله ما اختارته رضي الله عنها وأرضاه. تلك السيرة العطرة، والمواقف الجميلة النضرة .. من المحبة والصفاء والشيمة والوفاء، فصلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين .. مع هذا كله يلاطف ويعاشر مع القول بالفعل!

خرج صلى الله عليه وسلم معها إلى قباء فسابقها فسبقها صلوات الله وسلامه عليه، فطلبته الثانية فسبقها، حتى إذا بدن وكبر عليه الصلاة والسلام سبقته رضي الله عنها وأرضاها، فيقول لها يطيب خاطرها: (هذه بتلك)، قلوب تعلقت بالله، وأذعنت لجلال الله، فتقربت إلى الله بالإحسان إلى الأهل.

أحبتي في الله: إنها العشرة التي يحب الله أهلها وأصحابها، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم دالاً لك ومعرفاً إذا أردت أن تعرف خيرية الإنسان أن تنظر إليه مع أهله (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) إذا أردت أن تعرف خير الرجل، فانظر إلى ذلك الرجل الذي تؤذيه امرأته فيحسن إليها، وتهينه فيكرمها، وتحرمه فيعطيها.. إلى ذلك الرجل القادر على الانتقام ولا ينتقم لوجه الله، والقادر على الطلاق ولا يطلق لوجه الله، والذي ما ذهبت زوجته يوماً من الأيام تشتكي إلى أبيها.

وإن في الرجال من هو على الصبر والتذمم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولقد بلغ ببعضهم أنه آذته امرأته، وأصبحت تسبه وتشتمه، حتى سمع بعض طلابه ذلك السب والشتم، فقيل له: لا تسرحها؟ فسكت، ثم قيل له: هلا أجبتها؟ أي: أين الرجولة؟! أجبها، فقال: أستحي من الله أن يسمع مني كلمة لأهلي لا ترضيه.

يريدون لقاء الله خفيفين من الأحمال والأوزار، وقد يسلط الله على العبد أهله فيؤذى ويصبر لوجه الله عز وجل، فمن الناس من يؤذى في أهله فيصبر ويحتسب .. فيجمع الله له بين خيري الدنيا والآخرة.

ولذلك قال الله عز وجل عن نبيه زكريا: وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [الأنبياء:90] قال بعض العلماء: كانت زوجته قاسية فظة عليه، فصبر لوجه الله عز وجل، حتى قلبها الله في آخر حياتها فأصبحت ذات الخلق الحسن، وكم من أناس صبروا على أذية الزوجات فبلغهم الله عز وجل بذلك الصبر أعالي الدرجات، وأوجد لهم الحب وجزيل الحسنات، وكفر عنهم بتلك البلايا عظيم السيئات، فوافوا الله عز وجل بحسنات عظيمة، وأجور كريمة، ومنهم من جمع الله له بين الحسنيين، وآتاه حسن العاقبتين، فأصلح له أهله في الدنيا قبل أن يلقاه، ثم أصلحها له من بعده.

وقد حدثني بعض الإخوان أن أمه كانت شديدة على أبيه، وكان صابراً لوجه الله، وكانت تؤذيه وتضطهده حتى تهينه بين يدي أولاده، وهو يصبر ويحتسب، ومن العجيب أنها ما كانت تسبه وتشتمه إلا أجاب بذكر لله عز وجل، إما أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو حسبنا الله ونعم الوكيل، أو يقول لها: يا أمة اللهّ! اتقي الله في نفسك، ويذكرها بالله. يقول: ما سمعت منه يوماً من الأيام إساءة إلى والدتي، مع شديد قبح الألفاظ وشناعتها التي تؤذيه بها، يقول: فصبر واحتسب، فشاء الله عز وجل في آخر حياة الأب أن مرض، فقلب الله قلبها حناناً وعطفاً وشفقة عليه، يقول: كنا مسافرين، فكانت الأم هي التي ترعاه، وتقوم على شأنه، إلى درجة أن أعمامي -إخوة أبي- لا يأتونه خوفاً من الإصابة بالعدوى، فما صبرت إلا تلك المرأة، ومع هذا اختاره الله إلى جواره، وبعد وفاته أصبحت تكثر له من الدعوات والاستغفار وتذكره بصالح الدعوات، وإذا ذُكِر خشعت من ذكراه مما تتذكر من صبره عليها.

وكم من أناس صبروا لوجه الله تعالى، أولئك الرجال الذين يخرجون من الدنيا، وقد أسروا قلوب زوجاتهم في محبة الله ومرضاة الله! ومع الخير الموجود في الرجال فإنه موجود كذلك في النساء، فكم من أمة لله صابرة على أذية بعلها، وكم من أمة لله صابرة على أذية زوجها.

من النساء من تؤذى وتهان وتضرب وتذل، ولا أحد يعرف بذلك الأمر، ومن النساء من تؤذى وتهان في بيت زوجها بأمور لا يعلمها إلا الله، وما اطلع أحد على ذلك السر، ولا علم به أحد فهي صابرة ومحتسبة لوجه الله.

وحدثني بعض الأخيار أن أختاً له أوذيت وضربت حتى كان من أثر الأذية جرحاً في جسدها، يقول: فجاءت إلى بيتها، فقيل لها: ما هذا؟ فادعت شيئاً غير الضرب، يقول: وما علمنا بذلك.

من النساء من هن صابرات لوجه الله، ويحتسبن الأجر عند الله، فطوبى لهن وحسن مآب.

فالله الله في المعاشرة بالمعروف!

إياكَ أن تكون المرأة أوفى لله منك! وإياكِ أن يكون الزوج أوفى لله منكِ! حاولي قدر الاستطاعة أن تكوني أبر لله، وليحاول الرجل أن يكون أبر لله وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] فإن بيوت المؤمنين لا تعرف هذه المشاكل، ولا تعرف تنغيص العيش؛ لأنها إذا اختلفت في أمر فعندها كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دواءً شافياً، وعلاجاً كافيا، نسأل الله العظيم أن يرزقنا وإياكم المعاشرة التي ترضيه لوجهه، ونعوذ بالله العظيم أن يطلع على عورة منّا تغضبه في عشرة الأهل والأبناء.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المشكلات الزوجية وعلاجها 3459 استماع
رسالة إلى الدعاة 3434 استماع
وصية نبوية 3325 استماع
أهم الحقوق 3303 استماع
توجيه الدعاة إلى الله تعالى 3214 استماع
كيف نواجه الفتن؟ 3164 استماع
حقيقة الالتزام 3142 استماع
وصايا للصائمين والقائمين 3084 استماع
الوصايا الذهبية 3039 استماع
مناقشة لرسالة الدكتوراه (2) 3005 استماع