حال الناس في القبور


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

وبعد:

أيها الأحبة في الله: فإن حاجة القلوب إلى سماع العلم والذكر أعظم من حاجة الأرض إلى نزول الغيث والمطر، فكما أن المطر والغيث هو حياة الأرض فكذلك العلم والدين والإيمان هو حياة القلوب، وحينما يحبس المطر عن الأرض ينعدم خيرها، ويسوء منظرها، وتستحيل الحياة فيها، قال الله: فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج:5] وكذلك القلوب إذا انحبس عنها الذكر والعلم، والإيمان والقرآن انعدمت فيها الحياة وتحجرت، وانقطع عنها الخير وكثر فيها الشر، فإذا جاء القرآن وجاء الإيمان اهتزت وربت وآتت أكلها بإذن ربها، وظهر الخير في سلوك الإنسان وفي تعامله وعقيدته بناءً على سماع العلم والقرآن، ولذا كانت وظيفة الرسل والأنبياء التذكير بهذا الكلام، وقد حدد الله للنبي صلى الله عليه وسلم مسئوليته بقوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] إنما: أداة حصر، حصر للمسئولية التي بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم لها، وهي تذكير الأمة: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] ويقول له: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ [الذاريات:55] لا تنفع الناس كلهم، بل تنفع شريحة واحدة من المجتمع وفئة واحدة من الناس -أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- وهم أهل الإيمان: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:55] والله يحدد صفات أهل الإيمان في أول سورة الأنفال فيقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً [الأنفال:2-4] هذه شهادة من الله: أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:4].

من علامة الإيمان: حب مجالس الذكر

إذا عرفت -يا أخي- أنك تحب الذكر وتسعى إلى مواطن الذكر وتشتاق إليه، وتتطلع إلى مواعظ الذكر فاعلم أن هذه علامة الإيمان -فاسأل الله أن يزيدك إيماناً- وإن تكن الأخرى وهو الفتور وعدم الرغبة في مجالس العلم، وإذا قيل لك: هناك درس تقول: قد سمعنا كثيراً فماذا عندهم من جديد؟

ماذا تريد من جديد؟ هل العلماء والدعاة يغنون حتى يأتوا لك بجديد؟ لا. العلماء والدعاة أصحاب رسالة يبلغون دين الله، وهل هناك أفضل من كلام الله؟ هل هناك جديد أعظم مما يخبر الله به ويخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا وجدت في نفسك عزوفاً وعدم رغبة وكسلاً وفتوراً عن هذه المجالس فاعلم أن هذه نقطة الخطورة، وبداية الانحدار، وعلامة الهلاك -والعياذ بالله- لماذا؟ لأن القلب تؤثر فيه عوامل التعرية، وعوامل الهدم والنحت من جراء الحياة، ويحتاج القلب إلى صيانة وحماية، ثوبك إذا لم تغسله اتسخ، وسيارتك إذا لم تجر لها صيانة دورية خربت، قلبك لا يريد له صيانة بل يريد له تعهداً لكن كيف تتعهده؟ في مواطن الذكر، وفي مجالس الإيمان، ولذا يخبر الله عز وجل أنه لا يوجد أظلم ممن يذكر ثم يترك الذكر، فهو ظالم في أعلى مستويات الظلم، يقول عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة:22] قال المفسرون: أي: لا أظلم منه، ويخبر الله عز وجل عن حالة المؤمن إذا سمع الذكر، قال عز وجل: الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2] أي: خافت، ويخبر عن حالة البعيد -أعاذنا الله وإياكم منه- صاحب القلب المنكوس أنه يشمئز قلبه، قال عز وجل: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45] أي شيء دون الله، يعبد مباراة أو سهرة أو أكلة أو رحلة أو جلسة، أي شيء يستبشر به، لكنه ينقبض من جلسة علم، لا يريدها.

لماذا؟ لأن قلبه منكوس قال تعالى: الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الأنعام:113].

حاجتنا إلى العلم

إخوتي في الله: نحن في زمن أحوج ما نكون فيه إلى سماع العلم، لقد كانت المؤثرات في حياة الأولين قليلة ومحدودة ولم يكن هناك انفتاح مثلما هو حاصل الآن، كان التأثير محصوراً في قنوات محددة: في الأم، والأب، والشارع المحيط بالإنسان، لكن اليوم لم يعد هناك حواجز على الأمم والشعوب، أصبح العالم كله مفتوحاً، تأثير من كل اتجاه ومن كل جانب؛ مما يحتم عليك أن تحمي قلبك مما قد يتسلل إليه من أفكار، أو يغزوه من نزغات، فتحميه بالحماية العظيمة عن طريق سماع العلم المقتبس من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نور، ولأنه حياة، ولأنه روح، يقول الله عز وجل: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشورى:52-53] وإن مما غزا القلوب وغطاها وغلفها نسيان القبور.

إذا عرفت -يا أخي- أنك تحب الذكر وتسعى إلى مواطن الذكر وتشتاق إليه، وتتطلع إلى مواعظ الذكر فاعلم أن هذه علامة الإيمان -فاسأل الله أن يزيدك إيماناً- وإن تكن الأخرى وهو الفتور وعدم الرغبة في مجالس العلم، وإذا قيل لك: هناك درس تقول: قد سمعنا كثيراً فماذا عندهم من جديد؟

ماذا تريد من جديد؟ هل العلماء والدعاة يغنون حتى يأتوا لك بجديد؟ لا. العلماء والدعاة أصحاب رسالة يبلغون دين الله، وهل هناك أفضل من كلام الله؟ هل هناك جديد أعظم مما يخبر الله به ويخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا وجدت في نفسك عزوفاً وعدم رغبة وكسلاً وفتوراً عن هذه المجالس فاعلم أن هذه نقطة الخطورة، وبداية الانحدار، وعلامة الهلاك -والعياذ بالله- لماذا؟ لأن القلب تؤثر فيه عوامل التعرية، وعوامل الهدم والنحت من جراء الحياة، ويحتاج القلب إلى صيانة وحماية، ثوبك إذا لم تغسله اتسخ، وسيارتك إذا لم تجر لها صيانة دورية خربت، قلبك لا يريد له صيانة بل يريد له تعهداً لكن كيف تتعهده؟ في مواطن الذكر، وفي مجالس الإيمان، ولذا يخبر الله عز وجل أنه لا يوجد أظلم ممن يذكر ثم يترك الذكر، فهو ظالم في أعلى مستويات الظلم، يقول عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة:22] قال المفسرون: أي: لا أظلم منه، ويخبر الله عز وجل عن حالة المؤمن إذا سمع الذكر، قال عز وجل: الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2] أي: خافت، ويخبر عن حالة البعيد -أعاذنا الله وإياكم منه- صاحب القلب المنكوس أنه يشمئز قلبه، قال عز وجل: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45] أي شيء دون الله، يعبد مباراة أو سهرة أو أكلة أو رحلة أو جلسة، أي شيء يستبشر به، لكنه ينقبض من جلسة علم، لا يريدها.

لماذا؟ لأن قلبه منكوس قال تعالى: الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الأنعام:113].

إخوتي في الله: نحن في زمن أحوج ما نكون فيه إلى سماع العلم، لقد كانت المؤثرات في حياة الأولين قليلة ومحدودة ولم يكن هناك انفتاح مثلما هو حاصل الآن، كان التأثير محصوراً في قنوات محددة: في الأم، والأب، والشارع المحيط بالإنسان، لكن اليوم لم يعد هناك حواجز على الأمم والشعوب، أصبح العالم كله مفتوحاً، تأثير من كل اتجاه ومن كل جانب؛ مما يحتم عليك أن تحمي قلبك مما قد يتسلل إليه من أفكار، أو يغزوه من نزغات، فتحميه بالحماية العظيمة عن طريق سماع العلم المقتبس من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نور، ولأنه حياة، ولأنه روح، يقول الله عز وجل: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ [الشورى:52-53] وإن مما غزا القلوب وغطاها وغلفها نسيان القبور.

القبر هو المحطة الثالثة من محطات رحلة الحياة؛ لأن الإنسان في رحلة وسفر منذ أن يوضع نطفة في الرحم إلى أن تستقر قدمه، إما في الجنة وإما في النار، فهو في رحلة، وهذه الرحلة تتم عبر أربع محطات:

المحطة الأولى: عالم البطن والأرحام، ومدة الرحلة تسعة أشهر في الغالب.

المحطة الثانية: عالم الحياة ومدة الرحلة من الستين إلى السبعين وقليل من يجاوز المائة أو يصل إليها.

ثم يرتحل الناس عنها، وهذه المحطات الارتحال عنها إجباري وليس بالاختيار. فيوم خلقت هل أخذ رأيك؟ لا. ويوم ولدت هل أخذ رأيك؟ لا. ويوم تموت هل يؤخذ رأيك؟ لا. ولو أخذ رأي الشخص فإنه لا يريد أن يموت. من الذي يريد أن يتنقل من القصر إلى القبر؟ فكل شخص يريد أسرته وزوجته ويريد أولاده وبيته خاصة، ولا يأتي الموت إلا إذا زانه فإذا زانك من كل شيء جاء الموت يخربها من كل شيء:

لهوت وغرتك الأماني وعندما     أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر

***

ما للمقابر لا تجيب     إذا رآهن الكئيب     حفر مسقفة     عليهن الجنادل والكثيب     فيهن أطفال وولدان     وشبان وشيب

كم من حبيب لم تكن     عيني لفرقته تطيب

غادرته في بعضهن     مجندلاً وهو الحبيب

تغادر أحب الناس إليك وتهيل عليه التراب ثم تنسى، وتدور الأيام دورتها ويأتي الدور عليك وتدخل في الحفرة ويهيل الناس عليك التراب ثم يخرجون وينسونك تخرج إلى الدنيا وأنت تبكي والناس حولك يضحكون فلا يولد مولود من بطن أمه إلا وهو يصيح، لماذا؟ هنا سرٌ فأنت كنت في الضيق فلماذا تصيح إذا خرجت إلى السعة؟ قال العلماء: لأن الشيطان ينزغه في ضلعه الأيسر فيصيح الولد؛ ويقول: (واء) كل طفل يصيح إلا الميت الذي يكون ميتاً في بطن أمه فإنه لا يصيح، ولهذا يعتبر الفقهاء بالنسبة للميراث أنه إذا استهل صارخاً أي: إذا خرج مستهلاً للحياة صارخاً حكم بحياته وحكم بميراثه، وإذا لم يستهل صارخاً فلا يحكم بميراثه وتأتي الرحلة الثانية ويخرج الإنسان وتنتقل المسألة، فالذين يضحكون يوم خرجت هم الآن يبكون، وأنت حين خرجت وأنت تبكي ماذا خرجت تفعل؟ هنا يتحدد مصيرك بحسب عملك، إن كان عملك حسناً تخرج وأنت تضحك، جئت تبكي وهم يضحكون والآن اقلب المسألة، دعهم يبكون وأنت تضحك، ولكن جئت تبكي وهم يضحكون وبعد ذلك هم يبكون وأنت تبكي هذه مصيبة.

ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً     والناس حولك يضحكون سرورا

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا     في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

نسيان القبر علامة موت القلب

ويعيش الإنسان فترة العمر ثم يموت، وهذا الانتقال -كما قلت- إجباري وينتقل إلى أين؟ إلى القبر، ومما أصيبت به الأمة وهذا من علامات الخزي، وعلامات موت القلب: نسيان الآخرة، ونسيان أول محطة من محطاتها وهي القبر، وهذا مشاهد الآن على مستوى الأفراد والبشر وعلى مستوى الأحياء والمجتمعات، في الوسائل والصحف والمدارس، كم نسبة ذكر الموت؟ اسأل نفسك في بيتك كم تذكر الموت؟ وأنا كم أذكر الموت؟ في البيوت نذكر كل شيء إلا الموت: الأخبار نذكرها، الأكل نذكره، النـزهة نذكرها، المذاكرة للأولاد نذكرها، ماذا نتغدى؟ ماذا نتعشى؟ أين نسمر؟ وأين نذهب؟ ولكن هل نجلس جلسة ونقول: تعالوا نرى ماذا بعد الموت؟ هذا غير موجود إلا قليلاً.

والآن أمامنا المخططات في مدينة جدة وأنا أقول لأحد الإخوة هذا اليوم: أين يدفنون الناس في جدة؟ جدة مدينة الملايين، والمخططات فيها تتوسع ذات اليمين وذات الشمال، والشرق والغرب، والجنوب والشمال، وكل المخططات لا توجد فيها مقبرة ولا مقابر، كأن الناس لا يموتون، كأنهم خلقوا ليبنوا الدنيا وينسوا الآخرة، وإذا وجد مخطط وفيه مقبرة لا أحد يشتري بجانب المقبرة، يقول: نريد مكاناً حياً فالمقبرة وحشة، قف بسيارتك وانزل وسلم على المقبرة وقل: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين) هذه السنة الآن ضاعت وماتت؛ نظراً لأن الناس كانوا يمشون على أقدامهم، فإذا مروا تجدهم بطبيعة الحال ينظرون إلى المقبرة ويسلمون على أهلها، لكنهم الآن يمشون في السيارات، والسيارات تمشي مسرعة، السائق مشغول بالسيارات أمامه وخلفه ويدقق النظر في الإشارة ولا ينظر إلى أمامه ولا ورائه وضاعت سنة زيارة القبور، وإذا نظرت إلى القبور تجد فيها هدوءاً وسكوناً، فغالباً يكون ضجيج السيارات في الخارج لكن تعال إلى المقبرة تجد الهدوء والسكينة، يقول علي رضي الله عنه وهو يخاطب أهل القبور: [يا أهل القبور! أما النساء فقد تزوجت، وأما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت] إذا مات الإنسان وترك مالاً وأولاداً وزوجة وبيوتاً، فالبيوت تسكن، والزوجة تتزوج، والأولاد يتقسمون المال وهو في الحفرة، ثم قال لهم: [هذه أخبارنا فما أخباركم؟] هذه نشرة الأخبار عندنا بعدما ذهبتم عنا أيها الأموات! هذه أخبارنا: وهي أن بيوتكم سكنت، وزوجاتكم نكحت، وأموالكم قسمت، هذه أخبارنا فما أخباركم؟ ماذا عندكم أنتم؟ ثم قال: [أما والله لو تركوا لقالوا: (( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ))[البقرة: 197]] ونحن نعرف هذا حقيقة حين نخرج إلى المقابر مع الأموات، فيخرج مع الميت ثلاثة: ماله الممثل في النعش أو الشيء الذي يؤخذ معه من ماله، وأولاده، وعمله، فيرجع المال ويرجع الولد ويبقى معه العمل، ونحن الآن نحب المال والولد ونكره العمل، نكره صديق الشدة ونحب صديق العافية، فصديق العافية الولد والمال، لكن إذا جاءت الشدة تبرأ منك الولد وتبرأ منك المال.

من الذي معك؟ العمل. يقول العمل: أنا معك، سأكون معك كما كنت معي، إن كنت محسناً كنت لك محسناً، وإن كنت مسيئاً فأنا لك مسيء.

تذكر القبر يعين على الطاعة

يا أيها الإخوة: إن من المعقول جداً بل من المفروض أن ننتبه لحياتنا بعد هذه الحياة، وأن نعرف ما هي أحوالنا في القبور؛ لأن هذا مما يساعدنا كثيراً على العبودية وعلى القيام بالطاعة وترك المعاصي كلما تذكرنا القبر والموت. وأنت أيها الإنسان إذا صححت عملك، وضبطت موازينك تجد أنه عندما يبدأ الانحراف تذكر الموت لماذا؟ لأن هذا الانحراف لا يأتي إلا من الغفلة، لكن حين تذكر الموت والقبر، والجنة والنار تتحقق المفاهيم وتنضبط المسارات، وفي نفس الوقت تضع ضوابط على تصرفاتك فتسير في الطاعات وتترك المعاصي.

أخي في الله: أنسيت القبر؟ أنسيت أن القبر يناديك ويقول: يا ابن آدم! ألم تعلم أني بيت الدود؟!

ألم تعلم أني بيت الوحشة؟!

ألم تعلم أني بيت الوحدة؟!

ماذا أعددت لي؟!

تصور -يا أخي- أنك الآن في القبر وقد طرحت في حفرة مظلمة، في حفرة قصيرة الطول .. ضيقة العرض؛ فاشتدت بها وحشتك، واستبانت بها غربتك، ضمتك ضمةً كسرت عظامك، وقطعت أوصالك، وقد كنت غافلاً عن هذا المصير، بما كنت تجمع في هذه الدنيا من الحطام، غافلاً عن هذا المكان، فتأمل -رحمك الله- وادفع عن نفسك جوانب الغفلة، واطلب من الله عز وجل أن يؤانس وحشتك في هذا المكان، لعل الله أن يرحمك ويغفر ذنبك ويقبل توبتك.

الجزاء في القبر من جنس العمل

أيها الأحبة: القبر هو أول منازل الآخرة، فبعد الموت وانقطاع الحياة ينتقل الإنسان إلى الآخرة عبر هذا المسار -مسار القبر- ليبدأ الجزاء على الأعمال، فمن كان محسناً كافأه الله على إحسانه بتحويل قبره إلى روضة من رياض الجنة، ومن كان مسيئاً -عياذاً بك اللهم من هذه الإساءة- عاقبه الله في قبره بتحويله إلى حفرة من حفر النار، ثم يستمر العذاب أو يستمر النعيم فترة البرزخ وهي فترة طويلة غيبية، لا يعرف الإنسان مدتها، ولا طولها، ولا عرضها، إلى أن تقوم الساعة ويبعث الناس من قبورهم، ثم يفصل بينهم في أرض المحشر وينقسمون إلى فريقين: فريقٌ في الجنة وفريق في السعير.

الإيمان بعذاب القبر جزء من عقيدة المسلم

إن قضية الإيمان بعذاب القبر أو نعيمه جزءٌ من عقيدة المسلم، أي: ليس أمراً بسيطاً، بل هو شيء من العقيدة، ولهذا يبوب العلماء في مسائل الاعتقاد؛ أن الاعتقاد ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: عقيدة التوحيد.

القسم الثاني: عقيدة النبوة.

القسم الثالث: عقيدة المعاد واليوم الآخر.

والإيمان باليوم الآخر يشمل:

الإيمان بالموت، وعذاب القبر ونعيمه، والبعث بعد الموت، والحوض، والصراط، والميزان، والكتب، ثم بعد ذلك الجنة أو النار.

ويعيش الإنسان فترة العمر ثم يموت، وهذا الانتقال -كما قلت- إجباري وينتقل إلى أين؟ إلى القبر، ومما أصيبت به الأمة وهذا من علامات الخزي، وعلامات موت القلب: نسيان الآخرة، ونسيان أول محطة من محطاتها وهي القبر، وهذا مشاهد الآن على مستوى الأفراد والبشر وعلى مستوى الأحياء والمجتمعات، في الوسائل والصحف والمدارس، كم نسبة ذكر الموت؟ اسأل نفسك في بيتك كم تذكر الموت؟ وأنا كم أذكر الموت؟ في البيوت نذكر كل شيء إلا الموت: الأخبار نذكرها، الأكل نذكره، النـزهة نذكرها، المذاكرة للأولاد نذكرها، ماذا نتغدى؟ ماذا نتعشى؟ أين نسمر؟ وأين نذهب؟ ولكن هل نجلس جلسة ونقول: تعالوا نرى ماذا بعد الموت؟ هذا غير موجود إلا قليلاً.

والآن أمامنا المخططات في مدينة جدة وأنا أقول لأحد الإخوة هذا اليوم: أين يدفنون الناس في جدة؟ جدة مدينة الملايين، والمخططات فيها تتوسع ذات اليمين وذات الشمال، والشرق والغرب، والجنوب والشمال، وكل المخططات لا توجد فيها مقبرة ولا مقابر، كأن الناس لا يموتون، كأنهم خلقوا ليبنوا الدنيا وينسوا الآخرة، وإذا وجد مخطط وفيه مقبرة لا أحد يشتري بجانب المقبرة، يقول: نريد مكاناً حياً فالمقبرة وحشة، قف بسيارتك وانزل وسلم على المقبرة وقل: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين) هذه السنة الآن ضاعت وماتت؛ نظراً لأن الناس كانوا يمشون على أقدامهم، فإذا مروا تجدهم بطبيعة الحال ينظرون إلى المقبرة ويسلمون على أهلها، لكنهم الآن يمشون في السيارات، والسيارات تمشي مسرعة، السائق مشغول بالسيارات أمامه وخلفه ويدقق النظر في الإشارة ولا ينظر إلى أمامه ولا ورائه وضاعت سنة زيارة القبور، وإذا نظرت إلى القبور تجد فيها هدوءاً وسكوناً، فغالباً يكون ضجيج السيارات في الخارج لكن تعال إلى المقبرة تجد الهدوء والسكينة، يقول علي رضي الله عنه وهو يخاطب أهل القبور: [يا أهل القبور! أما النساء فقد تزوجت، وأما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت] إذا مات الإنسان وترك مالاً وأولاداً وزوجة وبيوتاً، فالبيوت تسكن، والزوجة تتزوج، والأولاد يتقسمون المال وهو في الحفرة، ثم قال لهم: [هذه أخبارنا فما أخباركم؟] هذه نشرة الأخبار عندنا بعدما ذهبتم عنا أيها الأموات! هذه أخبارنا: وهي أن بيوتكم سكنت، وزوجاتكم نكحت، وأموالكم قسمت، هذه أخبارنا فما أخباركم؟ ماذا عندكم أنتم؟ ثم قال: [أما والله لو تركوا لقالوا: (( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ))[البقرة: 197]] ونحن نعرف هذا حقيقة حين نخرج إلى المقابر مع الأموات، فيخرج مع الميت ثلاثة: ماله الممثل في النعش أو الشيء الذي يؤخذ معه من ماله، وأولاده، وعمله، فيرجع المال ويرجع الولد ويبقى معه العمل، ونحن الآن نحب المال والولد ونكره العمل، نكره صديق الشدة ونحب صديق العافية، فصديق العافية الولد والمال، لكن إذا جاءت الشدة تبرأ منك الولد وتبرأ منك المال.

من الذي معك؟ العمل. يقول العمل: أنا معك، سأكون معك كما كنت معي، إن كنت محسناً كنت لك محسناً، وإن كنت مسيئاً فأنا لك مسيء.

يا أيها الإخوة: إن من المعقول جداً بل من المفروض أن ننتبه لحياتنا بعد هذه الحياة، وأن نعرف ما هي أحوالنا في القبور؛ لأن هذا مما يساعدنا كثيراً على العبودية وعلى القيام بالطاعة وترك المعاصي كلما تذكرنا القبر والموت. وأنت أيها الإنسان إذا صححت عملك، وضبطت موازينك تجد أنه عندما يبدأ الانحراف تذكر الموت لماذا؟ لأن هذا الانحراف لا يأتي إلا من الغفلة، لكن حين تذكر الموت والقبر، والجنة والنار تتحقق المفاهيم وتنضبط المسارات، وفي نفس الوقت تضع ضوابط على تصرفاتك فتسير في الطاعات وتترك المعاصي.

أخي في الله: أنسيت القبر؟ أنسيت أن القبر يناديك ويقول: يا ابن آدم! ألم تعلم أني بيت الدود؟!

ألم تعلم أني بيت الوحشة؟!

ألم تعلم أني بيت الوحدة؟!

ماذا أعددت لي؟!

تصور -يا أخي- أنك الآن في القبر وقد طرحت في حفرة مظلمة، في حفرة قصيرة الطول .. ضيقة العرض؛ فاشتدت بها وحشتك، واستبانت بها غربتك، ضمتك ضمةً كسرت عظامك، وقطعت أوصالك، وقد كنت غافلاً عن هذا المصير، بما كنت تجمع في هذه الدنيا من الحطام، غافلاً عن هذا المكان، فتأمل -رحمك الله- وادفع عن نفسك جوانب الغفلة، واطلب من الله عز وجل أن يؤانس وحشتك في هذا المكان، لعل الله أن يرحمك ويغفر ذنبك ويقبل توبتك.




استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
كيف تنال محبة الله؟ 2924 استماع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2918 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2799 استماع
أمن وإيمان 2670 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2594 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2567 استماع
النهر الجاري 2471 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2463 استماع
مرحباً شهر الصيام 2392 استماع
الشباب والرجولة 2359 استماع