المشرقانِ عليكَ ينتحبان
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
المشرقانِ عليكَ ينتحبان | قاصيهُما في مأْتَمٍ والداني |
يا خادمَ الإسلامِ، أجرُ مجاهدٍ | في الله من خُلْدٍ ومِنْ رِضْوان |
لمّا نعيتَ إلى الحجاز مشى الأسى | في الزائرينَ وروِّع الحرمان |
السكة ُ الكبرى حيالَ رباهما | مَنكوسة ُ الأَعلامِ والقُضْبان |
لم تَأْلُها عندَ الشدائدِ خِدمة ً | في الله والمختار والسلطان |
يا ليتَ مكة َ والمدينة َ فازتا | في المحفِلَيْن بصوتِكَ الرَّنَّان |
ليرى الأَواخرُ يومَ ذاكَ ويسمعوا | ما غابَ من قسٍّ ومن سحبان |
جارَ التراب وأنتَ أكرمُ راحل | ماذا لقيتَ من الوجود الفاني؟ |
أَبكِي صِباكَ؛ ولا أُعاتبُ من جَنى | هذا عليه كرامة ً للجاني |
يتساءلون: أبـ السلالِ قضيت، أم | بالقلبِ، أَم هل مُتَّ بالسَّرَطان؟ |
الله يَشهد أَنّ موتَك بالحِجا | والجدِّ والإقدامِ والعِرفان |
إن كان للأخلاق ركنٌ قائمٌ | في هذه الدنيا، فأنت الباني |
بالله فَتِّشْ عن فؤادِك في الثّرى | هل فيه آمالٌ وفيه أماني؟ |
وجدانك الحيُّ المقيمُ على المدى | ولرُبَّ حَيٍّ مَيِّتُ الوجْدان |
الناسُ جارٍ في الحياة ِ لغاية ٍ | ومضللٌ يجري بغير عنان |
والخُلْدُ في الدنيا ـ وليس بهيِّنٍ ـ | عُليا المرَاتبِ لم تُتَحْ لجبان |
فلو أن رسلَ اللهِ قد جبنوا لما | ماتوا على دينٍ من الأَديان |
المجدُ والشَّرفُ الرفيعُ صحيفة ٌ | جعلتْ لها الأخلاقُ كالعنوان |
وأحبُّ من طولِ الحياة ِ بذلة ٍ | قصرٌ يريكَ تقاصرَ الأقران |
دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ له: | إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني |
فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذكرها | فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني |
للمرءِ في الدنيا وجَمِّ شؤونها | ما شاءَ منْ ريحٍ ومنْ خسران |
فَهي الفضاءُ لراغبٍ مُتطلِّعٍ | وهي المَضِيقُ لِمُؤثِرِ السُّلْوان |
الناسُ غادٍ في الشقاءِ ورائحٌ | يَشْقى له الرُّحَماءُ وهْوَ الهاني |
ومنعَّمٌ لم يلقَ إلا لذة ً | في طيِّها شجَنٌ من الأَشجان |
فاصبر على نُعْمى الحياة ِ وبُؤسِها | نعمى الحياة ِ وبؤسها سيَّان |
يا طاهرَ الغدواتِ، والروحاتِ، والـ | ـخطراتِ، والإسْرارِ، والإعْلان |
هل قامَ قبلكَ في المدائن فاتحٌ | غازٍ بغيرٍ مُهنّدٍ وسِنان؟ |
يدعو إلى العلم الشريفِ، وعنده | أَن العلومَ دعائمُ العُمران؟ |
لفُّوكَ في علم البلادِ منكَّساً | جزع الهلال على فتى الفتيان |
ما احمرَّ من خجلٍ، ولا من ريبة ٍ | لكنَّما يبكي بدمع قاني |
يُزْجُون نَعشك في السَّناءِ وفي السَّنا | فكأَنما في نِعشكَ القمران |
وكأَنه نعشُ الحُسينِ بكرْبَلا | يختالُ بين بُكاً، وبينَ حَنان |
في ذِمَّة ِ الله الكريمِ وبِرِّهِ | ما ضمَّ من عرفٍ ومن إحسان |
ومشى جلالُ الموتِ وهو حقيقة ٌ | وجلالك المصدوقُ يلتقيان |
شَقَّتْ لِمَنظرِك الجيوبَ عقائلٌ | وبكتكَ بالدمعِ الهتونِ غواني |
والخلقُ حولَكَ خاشعون كعهدِهم | إذ يُنصِتُون لخطبة ٍ وبَيان |
يتساءلون: بأيٍّ قلبٍ ترتقى | بَعْدُ المنابرُ، أَم بأَيِّ لسان؟ |
لو أَنّ أَوطاناً تُصوَّرُ هَيْكلاً | دفنوكَ بين جوانحِ الأوطان |
أو كان يحمل في الجوارح ميتٌ | حملوك في الأَسماع والأَجفان |
أو صيغَ من غرِّ الفضائلِ والعلا | كفنٌ لَبِستَ أَحاسنَ الأَكفان |
أَو كان للذكر الحكيم بقية ٌ | لم تَأْتِ بعدُ؛ رُثِيتَ في القرآن |
ولقد نظرتك والردى بك محدقٌ | والداءُ ملءُ معالمِ الجثمان |
يَبْغِي ويطْغَى ، والطبيب مُضلَّلٌ | قنطٌ، وساعاتُ الرحيل دواني |
ونواظرُ العُوّادِ عنكَ أَمالَها | دمعٌ تُعالِج كتْمَهُ وتُعاني |
تُمْلِي وتَكتُبُ والمشاغِل جَمَّة ٌ | ويداك في القرطاسِ ترتجفان |
فهششتَ لي، حتى كأنك عائدي | وأَنا الذي هَدَّ السَّقامُ كِياني |
ورأيتُ كيف تموتُ آسادُ الشَّرى | وعرفتُ كيف مصارعُ الشجعان |
ووَجَدْتُ في ذاك الخيالِ عزائماً | ما للمنونِ بدكهنَّ يدان |
وجعلتَ تسألني الرثاءَ، فهاكه | من أدمعي وسرائري وجناني |
لولا مُغالبة ُ الشُّجونِ لخاطري | لنظمتُ فيكَ يَتيمة َ الأَزمان |
وأَنا الذي أَرثِي الشموسَ إذا هَوَتْ | فتعودُ سيرتها إلى الدوران |
قد كنتَ تهتفُ في الورى بقصائدي | وتجلُّ فوق النيراتِ مكاني |
مَاذَا دَهانِي يومَ بِنْتَ فَعَقَّني | فيكَ القريضُ، وخانني إمكاني؟ |
هوِّنْ عليكَ، فلا شماتَ بميِّتٍ | إنّ المنيَّة غاية ُ الإنسان |
مَنْ للحسودِ بميْتة ٍ بُلِّغْتَها | عزتْ على كسرى أنوشروان؟ |
عُوفِيتَ من حَرَبِ الحياة ِ وحَرْبِها | فهل استرحْت أَم استراح الشاني؟ |
يا صَبَّ مِصْرَ، ويا شهيدَ غرامِها | هذا ثرى مصرٍ، فنمْ بأمان |
اخلَعْ على مصرٍ شبابَك عالياً | وکلبِسْ شَبابَ الحُورِ والوِلْدان |
فلعلَّ مصراً من شبابِكَ تَرتدِي | مجداً تتيهُ به على البلدان |
فلوَ أنّ بالهرمينِ من عزماته | بعضَ المَضَاءِ تحرّك الهَرمان |
علَّمْتَ شُبانَ المدائنِ والقُرى | كيف الحياة ُ تكونُ في الشبان |
مصرُ الأَسيفة ُ ريفُها وصعيدُها | |
قبرٌ أَبرُّ على عظامِك حاني | |
أقسمتُ أنك في الترابِ طهارة ٌ | ملكٌ يهابُ سؤاله الملكان |