أرشيف المقالات

تحية للرافعي

مدة قراءة المادة : دقيقتان .
للأستاذ منصور فهمي بك مات مصطفى صادق الرافعي، وما لقيته إلا مرات قليلة قد لا تتجاوز أصابع اليد عدا، ولم ترتبط بيني وبينه عقدة الصداقة الخاصة التي طالما يكون من شأنها أن تؤلف بين قلوب الناس على الأنس والمودة في الحياة، وطالما يكون من شأنها في الممات أن تؤوي الأسى في القلوب. على انه إذاكان قد قل لقائي بالرافعي في الحياة، ولم تربطني به علاقة وثيقة من حقها أن تدفع القلم في سبيل الرثاء فإن في حق الوفاء لما قدم الرافعي من خير متسعاً يفسح لقلمي ولغيره من الأقلام الوفية أن تذكر ذلك الراحل العظيم. وعظمة الرافعي التي أنوه بها الآن على عجل إنما مرجعها اتصاله الوثيق بتراثنا الأدبي القديم دون غيره فنهل من شرابه العذب، وتغذى من خلاصاته القوية الصالحة، فإذا بها تتمثل في أسلوبه، وتتغلغل في أدبه وتهذيبه، وتتمازج في تفكيره وتعبيره، وتندمج في تقديره وتدبيره، فاستطاع أن يشق للأدب القديم التليد، سبيله في الأدب الحديث العتيد. فأي إنسان يرى في التراث الماضي نبل هذا التراث ولا يألم حين يفتقد حارساً يقظاً لهذا التراث وداعياً له عليما، ومعرفاً به حكيما؟ وأي وريث لثقافة العرب لا يجزع حين يموت أديب عربي كبير كان يعرض في أدبه للخلف، جميل ما جادت به نفوس السلف؟ وأي أسف لا يستولي على النفوس بموت الرافعي النابغة الأديب حين يمر على الخاطر أن الناس قد فتنوا بالحاضر، فنسوا وعقوا محامد الغابر؟ وإذا كان من حق الآثار الصالحة أن تبعث من قبورها، أفلا يحق على الناس أن يأسفوا على من كان يعمل على نشرها من مراقدها؟ وا أسفاً على الرافعي، ثم وا أسفاً على الرافعي! فإلى الأدباء إذن وإلى الشعراء، وإلى آل الرافعي جميل العزاء، وعليهم جميعاً للرافعي الأديب الكبير بعد ذلك حق الوفاء. منصور فهم

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣