كلُّ حيٍّ على المنية غادي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
كلُّ حيٍّ على المنية غادي | تتوالى الركابُ والموتُ حادي |
ذهب الأوّلونَ قرناً فقرناً | لم يدمْ حاضرٌ، ولم يبقَ بادي |
هل ترى منهُمُ وتَسمعُ عنهم | غيرَ باقي مآثرٍ وأيادي؟ |
كُرَة ُ الأَرضِ كم رَمَتْ صَوْلجَانا | وطوَتْ من ملاعبٍ وجِياد |
والغبارُ الذي على صفحتيها | دورانُ الرحى على الأجساد |
كلُّ قبر من جانب القفرِ يبدو | علمَ الحقِّ، أو منارَ المعاد |
وزِمامُ الرِّكابِ من كلِّ فَجٍّ | ومَحَطُّ الرِّحالِ من كل وادي |
تطلع الشمسُ حيث تطلع نَضْخاً | وتنحَّى كمنجل الحصّاد |
تلك حمراءُ في السماءِ، وهذا | أَعوجُ النَّصْلِ مِنْ مِراس الجِلاد |
ليت شعري تعمَّداً وأصرّا | أَم أَعانا جناية الميلاد |
أَجَلٌ لا يَنامُ بالمِرْصاد | قَدَرٌ رائحٌ بما شاءَ غادي |
يا حماماً ترنمتْ مسعداتٍ | وبها فاقة ٌ إلى الإسعاد |
ضاق عن ثكلها البكا، فتغنَّتْ | رُبَّ ثُكْلٍ سَمِعْتَه من شادي |
الأناة َ الأناة َ، كلُّ أليفٍ | سابقُ الإلف، أو ملاقي انفراد |
هل رجعتنَّ في الحياة لفهمٍ؟ | إن فهمَ الأُمورِ نِصفُ السَّداد |
سَقمٌ من سلامة ٍ، وعزاءٌ | من هناءٍ ، وفرقة ٌ من وداد |
يجتنى َ شهدها على إبرِ النح | لِ ، ويُمشى َ لوردها في القتاد |
وعلى نائمٍ وسَهْرانَ فيها | أجلٌ لا ينامُ بالمرصار |
لبدٌ صاده الردى ، وأظنّ النسْ | ـرَ من سَهمِهِ على ميعاد |
ساقة َ النعشِ بالرئيس ، رويداً | موكبُ الموتِ موضعُ الإتئاد |
كلُّ أَعوادِ منبر وسريرٍ | باطلٌ غيرَ هذه الأَعواد |
تستريح المطِيُّ يوماً، وهذي | تنقلُ العالمين من عهد عادِ |
لا وراءَ الجيادِ زيدتْ جلالاً | منذ كانت ولا على الأَجياد |
أَسأَلتم حَقِيبة َ الموتِ: ماذا | تحتها من ذخيرة ٍ وعتاد |
إنّ في طيِّها إمامَ صفوفٍ | وحواريَّ نية ٍ واعتقاد |
لو تركتم لها الزِّمامَ لجاءَت | وحدَها بالشهيد دارَ الرشاد |
انظروا ، هل ترونَ في الجمع مصراً | حاسراً قد تجلتْ بسواد |
تاجُ أحرارها غلاماً وكهلاً | راعَها أَن تراه في الأَصفاد |
وسدوه الترابَ نضوَ سفارٍ | في سبيلِ الحقوقِ نِضْوَ سُهاد |
واركزوه إلى القيامة رمحاً | كان للحَشْدِ، والنَّدَى ، والطِّراد |
وأَقرُّوه في الصفائح عَضْباً | لم يدنْ بالقرار في الأغماد |
نازحَ الدارِ ، أقصرَ اليومَ بينٌ | وانتهتْ محنة ٌ ، وكفتْ عوادي |
وكفى الموتُ ما تخاف وترجو | وشَفَى من أصادقٍ وأَعادي |
من دنا أو نأى فإنّ المنايا | غاية ُ القربِ أو قصارى البعاد |
سرْ معَ العمرِ حيثُ شئتَ تؤوبا | وافقد العمر لا تؤبْ من رقاد |
ذلك الحقُّ لا الذي زعموه | في قديمٍ من الحديث مُعاد |
وجرى لفظُه على ألسُنِ النا | سِ ، ومعناه في صدور الصِّعاد |
يتحلَّى به القويُّ ولكنْ | كتحلِّي القتالِ باسم الجهاد |
هل ترى كالترابِ أَحسنَ عدلاً | وقياماً على حقوق العباد |
نزل الأقوياءُ فيه على الضَّعْ | فى ، وحلَّ الملوكُ بالزُّهَّاد |
صفحاتٌ نقية ٌ كقلوب الرُّسْ | لِ ، مغسولة ٌ من الأحقاد |
قُمْ إنِ اسْطَعْتَ من سريرك، وانظر | سِرَّ ذاك اللواءِ والأجناد |
هل تراهم وأنتَ موفٍ عليهم | غيرَ بنيانِ ألفة ٍ واتّحاد |
أُمة ٌ هُيِّئَتْ وقومٌ لخير الدّهْـ | ـرِ أَو شرِّه على استعداد |
مصرُ تبكي عليك في كل خِدْرٍ | وتصوغُ الرثاءَ في كل نادي |
لو تأمّلتها لراعك منها | عرَّة البرِّ في سوادِ الحداد |
منتهى ما به البلادُ تعزَّى | رجُلٌ مات في سبيل البلاد |
أمّهاتٌ لا تحمل الثكلَ إلا | للنجيب الجريءِ في الأَولاد |
كفريدٍ، وأَين ثاني فريدٍ؟ | أيُّ ثانٍ لواحدِ الآحاد؟ |
الرئيسِ الجوادِ فيما علمنا | وبَلوْنا وابنِ الرئيسِ الجواد؟ |
أكلتْ مالهُ الحقوقُ ، وأبلى | جِسمَهُ عائدٌ من الهمِّ عادِي |
لك في ذلك الضنى رقَّوُ الرو | ح، وخَفْقُ الفؤادِ في العُوَّاد |
علَّة ٌ لم تصلْ فراشك حتى | وطئتْ في القلوب والأكباد |
صادفَتْ قُرْحة ً يُلائمها الصبـ | ـرُ، وتأْبَى عليه غيرَ الفساد |
وعَدَ الدهرُ أَن يكون ضِماداً | لك فيها، فكان شرَّ ضِماد |
وإذا الرُّوح لم تنفِّسْ عن الجس | م فبقراطُ نافخٌ في رماد |