أمة تقنى وأنتم تلعبون
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أعلى عيني من الدّمع غشاء | أم على الشّمس حجاب من غمام |
غامض نور الطّرف أم غارت ذكاء | لست أدري غير أني في ظلام |
ما لنفسي لا تبالي الطّربا | أين ذاك الزّهو ، أين الكلف؟ |
عجبا ماذا دهاها عجبا | فهي لا تشكو ولا تستعطف |
ليتها ما عرفت ذاك النّبا | فالسّعيد العيش من لا يعرف |
لا ابتسام الغيد، لا رقص الطّلاء | يتصبّاها ولا شدو الحمام |
بالكرى عني وبي عنه جفاء | أنا وحدي... أم كذا كلّ الأنام؟ |
لاأرى لي من همومي مهربا | فهي في هذا وذيّاك الطّريق |
في الرّبى فوق الرّبى تحت الرّبى | في الفضاء الرّحب في الرّوض الأنيق |
في اهتزاز الغصن في نفح الصّبا | في انسجام الغيث في لمح البروق |
كلّما أومض برق أو أضاء | بتّ أشكو في الدّجى وقع السّهام |
في ابتسام الفجر للمرضى شفاء | وابتسام الفجر فيه لي سقام |
تعتريني هزّة كالكهربا | كلّما حنّ مشوق لمشوق |
علّمت عيني السّهاد الكوكبا | وفؤادي علّم البرق الخفوق |
ما دعوت الدّمع إلاّ انسكبا | يا دموعي أنت لي أوفى صديق |
لم أر كاليأس يغري بالبكاء | لا ولا كالدمع يفشي المستهام |
فاستعينوا بالبكا يا تعساء | كلّما اشتدت بكم تار الهيام |
خلت قلبي بالأسى منفردا | وأنا وحدي صريع المحن |
وتوهّمت الأسى لن يجدا | سكنا في غير قلبي المثخن |
وظننت الدّهر مهما حقدا | سوف لا يفجعني في وطني |
فإذا تلك المغاني في شقاء | وإذا كلّ فؤاد في ضرام |
ذهبت كلّ ظنوني في الهواء | وتوّلت مثل أضغاث المنام |
لا تأمني إن أنا لمت القضا | ولم الدّهر الّذي أخنى علّي |
لم تدع فيّ اللّيالي غرضا | والضّنى لم يبق مني غير في |
لا تسلني: أيّ خطب عرضا | في الحشا وجد وفي المقول عيّ |
قلّ غربي سالب السّيف المضاء | والشّذى الزّهرة والعقد النّظام |
وإذا ما غلب اليأس الرّجاء | هانت الشّكوى ولم يجد الكلام |
بصرت لكن مثلما شاء الكمد | شاعرا من مقلتي أرتجل |
صدّ ما كان بنفسي عنه صد | وتجافاني الكلام المرسل |
عقد الحزن لساني فانعقد | أيّ سيف ما اعتراه الفلل؟ |
بي هموم كلّما لاح الضّياء | ضربت فوق عيوني بلثام |
وشجون كلّما جنّ المساء | قطعت بين جفوني والمنام |
لا أرى غير خيالات تسير | مهطعات عن يساري واليمين |
فوق أرض من دماء وسعير | في فضاء من هموم وشجون |
عجبا ... أين ابتسامات الثّغور | ما لقومي كلّهم باك حزين |
كلّ ما أسمع نوح وبكاء | كلّ ما أبصر ((صرعى ورمام)) |
زلزلت زلزالها هذي السّماء | أم ترى فضّت عن الموتى الرّجام |
وقع الأمر الّذي لا يدفع | وجنى الجاني على تلك الرّبوع |
واحتواها نهم لا يشبع | فاحتوى سكّانها خوف وجوع |
فهي إمّا دمنة أو بلقع | وهم إمّا قتيل أو صريع |
إن شكت قالت على الدّنيا السّلام | عبث الإنسان فيها والقضاء |
آه من جور اللّيالي والطّغام | |
ربّ طفل طاهر ما أثما | مات موت الآثم المجرم |
كان مّمن يرتجي لو سلما | للعلى لكنّه لم يسلم |
كوكب ما كاد يبدو في السّما | طالعا حتّى اختفى كالحلم |
غاض مثال الماء في الأرض العراء | ما عهدت البدر مثواه الرّغام |
هكذا أودت به ريح الشّتاء | زهرة لم تنفتح عنها الكمام |
ربّ شيخ أقعدته الحادثات | ومشى ((الأبيض)) في لّمته |
وثناه الضّعف عن حمل القناة | وعن السّابق في حلبته |
كان من قبل حلول الكارثات | آمنا كالنّسر في وكنته |
لاهيا يذكر أيّام الصّباء | ولياليه وفي الثّغر ابتسام |
حكم العاني عليه بالفناء | وأبى المقدور إلاّ أن يضام |
وفتى كالغصن ريّان نضير | تحلم الخود به إذ تحلم |
وتراه للهوى بين البدور | فتراه فوقّهنّ الأنجم |
ألمعيّ الذّهن والقلب الكبير | ملك في بردتيه ضيغم |
بات لا يقوى على حمل الرداء | منكباه وهو في العشرين عام |
ما به عجز ولا داء عياء | غير أنّ الجوع قد هدّ العظام |
وصغار مثل أفراخ القطا | يتضاغون من الجوع الشّديد |
وهنت أعصابهم لما سطا | والطّوى يوهن عزمات الأسود |
أرأيت العقد إمّا انفرطا | هكذا دمعهم فوق الخدود |
زهقت أرواحهم في شكل ماء | للأسى ، للّه ما أقسى الحمام |
يا رعى اللّه نفوس الشّهداء | وسقى أحداثهم صوب الغمام |
أيّها الجالون عن ذاك الحمى | إنّ في ذاك الحمى ما تعلمون |
ضيم في أحراره واهتضما | ووقفتم من بعيد تنظرون |
لا؛ ومن شاء لنا أن ننعما | ما كذا يجزي الأب البّر البنون |
كلكم يا قوم في البلوى سواء | لا أرى في الرّزء لبنانا وشام |
في ربى لبنان قومي الأصفياء | وبأرض الشّام أحبابي الكرام |
اللّيالي غاديات رائحه | بالدّواهي وأراكم تضحكون |
ما اتّعظتم بالسّنين البارحه | لا ولا أنتم غدا متّعظون |
يا لهول الخطب!.. يا للفادحه | أمة تفنى وأنتم تلعبون |
فادفنوا أضغانكم يا زعماء | يبعث اللّه من القبر الوئام |
وابسطوا أيديكم يا أغنياء | أبغض السّحب إلى الصّادي الجهام |