بين مدّ و جزر
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
سيّرت في فجر الحياة سفيتني | و اخترت " قلبي " أن يكون إمامي |
فجّرت على الأمواج قصرا من رؤى | ملء الفضا ، ملء المدى المترامي |
و أقلّ منها البحر حين أقلّها | دنيا من الأضواء و الأنغام |
و مشى الخيال على الحياة بسحره | فإذا الهوى في الماء و الأنسام |
و إذا الرّمال أزاهر فوّاحة | و الشّطّ هيكل شاعر رسّام |
و إذا العباب ملاعب و مراقص | و إذا أنا من صبوة لغرام |
أتلقّف اللّذّات غير محاذر | و أعبّ في الزلاّت و الآثام |
لا أكتفي و أخاف أكتفي | فكأنّما في الاكتفاء حمامي |
و كأنّ هدبي أن تطول ضلالتي | و كأنّ ربّي أن يدوم أوامي |
مرّت بي الأعوام تتلو بعضها | و أنا كأنّي لست في الأعوام |
كالموج ضحكي ، كالضّياء ترنّحي ، | كالفجر زهوي ، كالخضمّ عرامي |
حتى إذا هتف المشيب بلمّتي | ودنت يد الماحي إلى أحلامي |
صرخ " الحجى " بي ساخطا متهكّما : | " هذا الغنيّ شرّى من الإعدام " |
" أسلمتني للقلب و هو مضلّل | فأضرّني و أضرّك استسلامي " |
" يا صاحبي أطلقني من سجن الرؤى | أنا تائه ! أنا جائع ! أنا ظامي !" |
و أراد " عقلي " أن يقود سفيتني | للشطّ في بحر الحياة الطامي |
فطويت أعلام الهوى و هجرتها | و نسيت حتّى أنّها أعلامي ! |
و حسبت آلامي انتهت لمّا انتهى | فإذا النهاية أعظم الآلام |
و إذا الطريق مخاوف ووساوس | و إذا أنا من هبوة لقتام |
أبغي الثراء و لم يكن من مطلبي ، | و أرى الجمال بناظر متعام |
و أشيّد مثل الناس مجدا زائفا | و أشدّ حول الروح ثوب رغام |
فإذا أنا ، و الأرض ملكي و السما ، | قد صرت عبد الناس ، عبد حطامي |
فتضايق القلب السجين و قال لي : | " يا أيّها الجاني قتلت هيامي ! " |
" ألقفر بالأحلام روض ضاحك | فإذا تلاشت فالرياض مومي " |
" أين العيون تذيبني حركاتها | و تموت في سكناتها آلامي " |
" و أطلّ من أهدابهاا السكرى على | ظلّ ، و أنداء ، وزهر نام " |
" لمّا عصاني أن أشبّ ضرامها | أعيا عليها أن تشبّ ضرامي " |
" ألخمر ملء الجام لكن قد مضى | شوقى إلى الخمر التي في الجام " |
" أسلمتني " للعقل " و هو مضلّل | فأضرّني و أضرّك استسلامي " |
" أنظر ، ألست تراك في أوهامه | أشقى و أتعس منك في أوهامي ؟ " |
" ألمال ! من ذا يشتريه كلّه | منّي بليل صبابة و غرام ؟ " |
" يا صاحبي أطلقني من سجن النهى | أنا تائه ! أنا جائه ! أنا ظامي " |
*** | |
لا تسألوني اليوم عن قيثارتي | قيثارتي خشب بلا أنغام ! |
يا شاعرا غنّي فردّ لي الصّبا | فإذا مواكبه تسير أمامي |
إنّا التقينا في الشباب و في الهوى | في حومتين |
و سنلتقي و إن افترقنا في غد | في حبّ لبنان و حبّ الشام |
و ستلتقي روحي وروحك بعدما | تفنى الهياكل في الإله السامي |
أهلا بذي الأدب الصراح المصطفى ، | بالفاتح الرّوحيّ ، بالمقدام |
بالشاعر الغرّيد في ألحانه | عبق الربيع و نضرة الأكمام |
هو إن ذكرت الشعر من أمرئه | و إذا ذكرت المجد فهو عصامي |