الفراشة المحتضرة
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
لو كان لي غير قلبي عند مرآك | لما أضاف إلى بلواه بلواك |
فيم ارتجاجم هل في الجوّ زلزلة | أم أنت هاربة من وجه فتّاك؟ |
وكم تدورين حول البيت حائرة | بنت الربى ليس مأوى الناس مأواك |
قالوا فراشة حقل لا غناء بها | ما افقر الناس في عيني وأغناك! |
سماء غاوية، أطوار شاعرة، | على زهادة عبّاد ونسّاك |
طغراء مملكة وشّى حواشيها | من ذوّب الشمس ألوانا ووشّاك |
رأيت أحلام أهل الحبّ كلّهم | لّما مثلت أمامي عند شبّاكي |
من نائمين على ذلّ وتربة | ومن تجار وأشراف وأملاك |
وقصّ شكواك قلبي قصة عجبا | من قبل أن سمعت أذناي شكواك |
أليس فيك من العشّاق حيرتهم؟ | فكيف لا يفهم العشّاق نجواك؟ |
حلمت أن زمان الصّيف منصرم | ويلاه! حقّقت الأيام رؤياك |
فقد نعاه إليك الفجر ترتعشا | وليس منعاه إلاّ بعض منعاك |
فالزهر في الحقل أشلاء مبعثرة | والطير؟.. لا طائر إلاّ جناحاك |
مدّ النهار إليه كفّ مختلس | وفتّح الليل فيه سفّاك |
شاء القضاء بأن يشقى فجرّده | من الحلّي وأن تشقي قأبقاك |
لم يبق غيرك شيء من محاسنه | ولا من العابدين الحسن إلاّك |
تزوّد الناس منه الأنس وانصرفوا | وما نزوّد إلاّ اليأس جفناك |
يا روضة في سماء الروض طائرة | وطائرا كالأقاحي ذا شذّى ذاك |
مضى مع الصّيف عهد كنت لاهية | على بساط من الأحلام ضحّاك |
تمسين عند مجاري الماء نائمة | وللأزاهر والأعشاب مغداك |
فكلّما سمعت أذناك ساقيه | حثثت للسفح من شوق مطاياك |
وكلّما نوّرت في السفح زنبقة | صفّفت من طرب واهتّز عطفا |
فما رشفت سوى عطر ولا انفتحت | إلا على الحسن المحبوب عيناك |
وكم لثمت شفاه الورد هائمة | وكم مسحت دموع النرجس الباكي |
وكم ترجّحت في مهد الضياء على | توقيع لحن الصبا أو رجعه الحاكي |
وكم ركضت فأغريت الصغار ضحى | بالركض في الحقل ملهاهم وملهاك |
منّوا بأسرهم إياك أنفسهم | فأصبحوا بتمنّيهم أساراك |
جروا قصارهم حتى إذا تعبوا | وقفت ساخرة منهم قصاراك |
لولا جناحاك لم تسلم طريدتهم ، | قد نجّياك، ولكن أين منجاك؟ |
ها أنت كالحقل في نزع وحشرجة | وهت قواك كما استرخى جناحاك |
أصبحت للبؤس في مغناك تائهة | كأنه لم يكن بالأمس مغناك |
فراشة الحقل ... في روحي كآبته | مما عراه ومما قد تولاّك |
أحببته وهو دار تلعبين بها | وسوف تهواه نفسي وهو مثواك |
قد بات قلبي في دنيا مشوّشة | منذ التفت إلى آثار دنياك |
لا يستقرّ بها إلاّ على وجل | كالطير بين أحابيل وأشراك |
خلت أرائك كانت أمس آهلة | غنّاء ، فاليوم لا شاد ولا شاك |
أرض خلاء وجوّ غير ذي ألق | بلى، هناك ضباب فوق أشواك |
كيف اعتذارك إن قال الآله غدا: | هل الفراشة كانت من ضحاياك؟ |
يا نغمة تتلاشى كلّما بعدت | إن غبت عن مسمعي ما غاب معناك |
ما أقدر اللّه أن يحييك ثانية | مع الربيع كما من قبل سوّاك |
فيرجع الحقل يزهو في غلائله | وترجعين وأغشاه فألقاك |