عيد النهى
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
في اليوبيل الذهبي لمجلة المقتطف | |
------------- | |
قل للحمائم في ضفاف الوادي | يا ليتكن على شغاف فؤادي |
لترين كيف تبعثرت أحلامه | وجرت به الآلام خيل طراد |
كانت تشعّ على جوانبه المنى | فخبت وبدّل جمرها برماد |
أسعدنه، فعسى يخفّ ولوعه | إنّ الشجي أحقّ بالإسعاد |
ذهب الصبا وبقيت في خسراته | ليت الأسى مثل الصبا لنفاد |
إنّ الشباب هو الغني فإذا مضى | وأقمت لا ينفكّ فقرك بادي |
أمسيت أنظر في الحياة فلا أرى | إلا سوادا آخذا بسواد |
ألقى تقابلني النجوم تخاوصت | فكأنما هي أعين الحسّاد |
ما ثمّ من ذكرى إذا خطرت على | قلبي استراح سوى خيال الوادي |
أفلا تزال الشمس تصبغ وجهه | بالورس آونة وبالفرصاد |
أفلا يزال يذوب في أمواجه | ذهب الأصيل وفضّة الآراد؟ |
لهفي إذا ورد الرفاق عشيّة | وذكرت أني لست الزوّاد |
وإذا الحمام شدا وصفّق موجه | أن لا أصفقّ للحمام الشادي |
وإذا النخيل تطاولت أظلاله | أن لا يكون مظلّتي ووسادي |
وإذا الكواكب رصّعت آفاقه | أن لا يكون لرعيهنّ سهادي |
ذقت الهوى وعرفته في شطه | إن الهوى للمرء كالميلاد |
لا تدرك الأكباد سرّ وجودها | حتى يجول الحبّ في الأكباد |
ما عشت لم يمسس جوانحك الهوى | لم ندر ما في العيش من أمجاد |
لا تبصر العين الرياض وحليها | إلاّ على ضوء الصباح الهادي |
وطنان أشواق ما أكون إليهما | مصر التي أحببتها وبلادي |
ومواطن الأرواح يعظم شأنها | في النفس فوق مواطن الأجساد |
حرصي على حبّ ((الكنانة)) دونه | حرص السجين على بقايا الزاد |
بلد الجمال خفيّة وجليّه | والفنّ من مستطرف وتلاد |
عرضت مواكبها الشعوب فلم أجد | إلاّ بمصر نضارة الآباد |
كم من دفين في ثراها لم يزل | كالحي ذا مقة وذا أحقاد |
ومشيّد ، للناس إذ يغثونه | من كلّ أرض خشية العبّاد |
عاش الجدود وأثّلوا ما أثّلوا | واليوم ينبعثون في الأحفاد |
ألمسبغين على النوابغ فضلهم | كالفجر منبسطا على الأطواد |
أبناء مصر الناهضين تحية | كودادكم إن لم أقل كودادي |
من شاعر كلف بكم وبأرضكم | أبدا يوالي فيكم ويعادي |
إن تكرموا شيخ الصحافة تكرموا | أسنى الكواكب في سماء الضاد |
خلع الشباب على الكنانة مطرفا | هو كالربيع على ربى ووهاد |
ما زال يقحم في الجهالة نوره | حتى تقاصر ليلها المتمادي |
بصحيفة نور العيون سوادها | وبياضها من ناصع الأجياد |
ينبوع معرفة ،وهيكل حكمه، | ووعاء آداب ، وكنز رشاد |
أغلى المواهب والعقول رأيتها | سكنت قصور مهارق ومداد |
ذكر المجاهد في الحقيقة خالد | ويزول ربّ السيف والأجناد |
لولا جبابرة القرائح لم يسر | في الأرض ذكر جبابر القوّاد |
ما ذلّلت سبل المعالي أمّة | إلا بقوة مصلح أو هادي |
((صرّوف)) يسألك الأنام فقل لهم | كم في حياتك ساعة استشهاد |
طلع القنوط عليك من أغواره | فرددت طائره وجأشك هادي |
ومضيت تستقصي الحياة وسرّها | في كلّ عاقلة وكلّ جماد |
حتى لكدت تحسّ هاجسة المنى | وتبين كم في النفس من أضداد |
أنت الذي أسرت به عزماته | والدرب غامضة على الروّاد |
والليل آفات على أغوارها | والهول أنجاد على الأنجاد |
إنّ الحقائق أنت ناشر بندها | في حين كان العلم كالإلحاد |
والعقل في الشرقّي من أوهامه | كالنسر في الأوهاق والاصفاد |
تشقى متى تشقى الشعوب بجهلها | وتعزّ حين تعز بالأفراد |
ألساهرين الليل مثل نجومه | فكأنهم للدهر بالمرصاد |
ألباذلين نفوسهم لم يسألوا | وعلى النفوس مدارع الفولاد |
خفضوا جناحهم وتحت برودهم | همم الملوك وصولة المرّاد |
لهم الزمان قديمه وحديثه | ما الناس في الدنيا سوى الآحاد |
أنّ الأنام على اختلاف عصورهم | جعلوا لأهل العلم صدّر النادي |
ما العيد للخمسين بل عيد النهى | وفنونه والخاطر الوقّاد |
عيد الحصافة والصحافة كلّها | في مصر ، في بيروت، في بغداد |
ما العيش بالأعوام كم من حقبة | كالمحو في عمر السواد العادي |
ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ | كالقفر طال به عناء الحادي |
وسوى حياة العبقريّ نقيسها | فتقاس بالآجال والآماد |