أطِل مكثاً ..
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوُقوفُ | وأنْ يَعتَجَّل الزمنُ الرَّسيفُ |
وأنْ ينجابَ عنكَ غُبارُ بُؤسٍ | يَضيقُ به مُحيَّاك الأسيف |
أقِمْ كتِفَيْكَ لا يُثْقِلْكَ ذُلْ | ولا يشمَتْ بكَ القَصْرُ المُنيف |
ولا يَقُلِ السَّريُّ هنا شقيٌّ | يَضيقُ بذُلِّ وَقْفَته الوصيف |
تقدَّمْ إنَّ خلفَكَ راسفاتٍ | جماهيراً يضِجُّ بها الرَّصيف |
صُفوفاً للسُجونِ بها تُعَبَّا | إذا أزِفَتْ ، وتنتَظِمُ الصُفوف |
وأجنِحةً وإن طُويَتْ ففيها | على الأجيالِ ، قادِمةً ، رفيف |
أطِلْ مُكثاً فانَّكَ عن قريبٍ | ستَنْقُّصُ في الضَّحايا أو تُضيف |
وطُفْ دَهْراً فقد كرَّتْ دهورٌ | على الدُّنيا ، وأحرارٌ تطوف |
ولم يَبْرَحْ بحيثُ نزلتَ ضيفاً | يُنيخُ الرَّحْلَ حُرٌّ مستضيف |
هُنا الرأيُ العنيدُ أقامَ سَدّاً | عليه البغيُ – والفِكرُ الحصيف |
ولا تخجَلْ فحيثُ وقفتَ ظلَّتْ | إلى غاياتِها تقفُ الأُلوف |
ومِنْ حيثُ احتُجزِتَ مشى طليقاً | يَهُّزُّ الكونَ جبارٌ عَصوف |
وأولاْءِ الذينَ لهمْ وجوهٌ | تُحَبِّبُ ، أو تُعَطِّفُ ، أو تخيف |
وأجفانٌ ترِفُّ على عُيونٍ | تغورُ كما تَغوَّرَتِ الكهوف |
وأسمالٌ لهمْ منها فِراشٌ | يُلَمُّ بها الثَّرى ولَهُمْ شُفوف |
همُ المتقّحِمون الدَّهْرَ بأساً | به مِن وقعِ أرجُلِهمْ وجيف |
فلا يُخذَلْ بمظهرِكَ الأليفُ | ولا يَطْمَعْ بِرُفقتكَ " العريف " |
أطِلْ مكثاً فسوفَ يُزاحُ ليلٌ | تَلُفّكَ منه والدُّنيا سُجوف |
ومِنْ هذي الكُوى سيُطِلُّ فجرٌ | ضَحوكٌ يملأ الدُّنيا كَشوف |
ولم تَزَلِ الدُّنى من ألفِ ألفٍ | يُصرِّفُ من أعنَّتها " الرَّغيف " |
تمرَّغَتِ الخدودُ مُصَعَّراتٍ | به ، واستُرْغِمتْ منها الأنوف |
وظلَّ ابنُ " المطاحِنِ " مشمَخِراً | عليه الهامُ من فَزعٍ عُكوف |
يدورُ الفِكرُ جباراً عنيداً | بحيثُ يدورُ والقلَمُ الرَّهيف |
يُقِضُّ مضاجعَ الباغينَ منه | لكلِّ منامةٍ طيفٌ يطوف |
وأني عرَّسوا أسرى إليهم | يُطيلُ عذابَهمْ وجهٌ مُخيف |
تَخافُ شُذاةَ غَضبَتهِ أُلوفٌ | وتستجدي مودَّتهُ ألوف |
وتُستاقَ الجيوشُ مُسَخَّراتٍ | لها من خوفِ زحفتهِ زُحوف |
وكم جرَتِ الدّماءُ ، لها هَديرٌ | على حبَّاتِه وبها نزيف |
وكم ألوى بها هذا النَّحيفُ | وهذا المستبِدُّ بنا العنيف |
سَلِ التأريخَ كم زخَرَتْ شُجونٌ | بدفَّته وكمْ شُحِنَتْ حُتوف |
وكم غادى ربيعَ الفكرِ فيه | من النَّزَّعاتِ عابرةً خريف |
وكمْ ألقى على حيٍّ نزيلٍ | غُبارَ كِفاحهِ حيُّ خَلوف |
وهلْ بالرَّغْمِ من هذا وهذا | تأبَّتْ منه ، دانيةً ، قُطوف |
وهلْ دهرٌ أتى لمْ يَسْرِ فيه | يفيء ظِلالَهُ فِكرٌ وَريف |
ولمْ تسحَبْ به الخطَرات ذيلاً | له في مسمعِ الدُّنيا حَفيف |
أطِلْ مكثْاً إلى يومٍ تُوقّي | به كفَّيكَ ، أو تُلوى كُفوف |
ودَعْ رُسْغَيهِما للقَيدِ نَهباً | لِنابَيه بلحمهِما صَريف |
فمِنْ تأريخِكَ الألِقِ المدَّمى | تَبينُ بهذه النُقَطِ الحُروف |
ومُلْكُ الدَّهرِ أنتَ بما توفّي | من الألمِ الذبيحِ وما تُعيف |
ولَسْتَ مُخَّيراً في زمهريرٍ | تُشَتَي ، أو بجاحمةٍ تَصيف |
ولا في أنْ يِمِسَّ ذويكَ ضُرٌّ | يَحيقُ بهمْ ومَظْلَمةٌ تَحيف |
ولا آيِّ المصايرِ يحتويهمْ | وأيِّ نوىً تعاوَرهُمْ قَذوف |
ولا أيِّ الجنينِ تُدِرُّ أمٌّ | رَءومٌ في مراضِعها رَءوف |
ولا أيِّ الأكُفِّ بها تهاوى | ولا أيِّ السُمومِ لها تَديف |
أطِل مكثاً فلمْ يَبْرَحْ أنيقٌ | رَشيقٌ في تأطّرهِ ظريف |
يَتيهُ بحيثُ تَلتحِمُ الرَّزايا | عليكَ ، بحيثُ تَلْتَحِمُ السُقوف |
مَشى فتعجَّبَ " الطاووسُ " منه | فقد ألوى بِمشيتهِ الزَّفيف |
كأنْ لم تَضوِ إخوتَهُ سِياطٌ | ولمْ تَتحَدَّ أهلَهمُ الصُروف |
بلى : وكأنَّ بُؤْسَهُمُ تليداً | له ولأهلهِ مَجْدٌ طَريف |
أطِلْ مكثْاً إلى يومٍ تَلاقى | عليكَ بساحةِ الألمِ الصُفوف |
أطِلْ مكثاً : وفاخِرْ أنْ خصماً | عَسوفاً خَصْمُهُ بغيٌ عسوف |
ونَصِّبْ مِنْ جبينكَ فاللَّيالي | تُحاولُ ان تُخَوِّفَ مَنْ يُخيف |
عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوقوفُ | ومهما طالَ فالدُّنيا ظُروف |