الملك حسين
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
أرى الشعبَ في أشواقه كالمعلَّقِ | لَما حدَّثُوه عنكَ يرجو ويتَّقي |
يغالط نفساً فيكَ إن قيلَ لابثٌ | يكذِّبُ أنْ قالوا سيأتي يصدِّق |
صبَتْ لك أنحاءُ العراق وفتِّحَت | للُقياكَ صَدرَ الوالِهِ المتشوِّق |
وأجدرْ بأن يشتاق مثلُك مثلها | وأنعِمْ بأن تحنو عليها وأخلِق |
سَرَت بُردُ الأشواقِ تحمِلُ طَيَّها | تحياتِ خُلصانٍ شديدي التعلّق |
ر|طاباً كأنفاس النسائم سَحرةً | عِذاباً كماء الرافدين المصفقَّ |
وقد سَمَتْ الزَوراءُ ترفَعُ رأسَها | على الأرض تِيهاً مثلَ نَسر مُحلِّق |
وتفخَرُ أن نالَتْ بتفضيل أرضِها | على سائر الجاراتِ حظَّ الموَّفق |
فقد نافسَتْ بغدادُ بطحاء مكّةٍ | وقد غبرَّت بغدادُ في وجهِ جِلَّق |
وقد حَسَدَت بغدادُ شَتى عواصمٍ | من الشرق لم تنعُمْ بهذا التفوُّق |
ولو نَطَقتْ قالتْ هَلمَّ لمَصبحٍ | جميلٍ على الشطَّينِ مني ومَغْبِق |
هلمَّ فعندي مُشتهى كلَّ ماجدٍ | ومن كلِّ ذوق طيّبٍ فتذَّوق |
فحقِّقْ لها أمنيةً فيكَ تَستَعضْ | بها عن أمانٍ جمةٍ لم تُحقَّق |
وأدخلْ عليها فرحةً فهي بَلْدةَ | بها ثارت الأتراحُ ثورةَ مُحنَق |
تمشَّت بها تعتاقُها عن نُهوضِها | خطوبُ الليالي زَردَقاً بعد زَرْدَق |
أبغدادُ وهي القحمةُ السِنِّ خِبرةً | تَلَهَّى بألعابٍ كطفلٍ مُحمَّق |
توقِّعُ باليمنى صكوك انعتاقِها | وتُومي لها اليسرى بأن لا تصدِقي |
وتَفشلُ اسبابٌ لترقيع وحدةٍ | تمزِّقُها الأضغانُ شرَّ مُمزَّق |
وشعبٍ تُمشيِّه السياسةُ مُكرهاً | على زَلَقٍ من حُكمها كيفَ يَرتقي |
سلامٌ على شيخ الجزيرة كلِّها | سلامٌ على تأريخِه المتألِّق |
سلامٌ عليه يوم شطَّت رِكابُهُ | سلامٌ عليه يومَ نحظَى فنلتقي |
سلامٌ على عُمرٍ تَقَضَّى بصالحٍ | سلامٌ على ما فات منه وما بَقى |
أبا فيصلٍ بعضَ التعزي فكم رَمَت | شهامةُ قومٍ شملَهمْ بالتفرّق |
وقبلَك غمّت عزةٌ رَبَّ كندةٍ | وشرَّد صونُ العرض رَبَّ الخَورَنق |
وما قَدْرُ عُمرِ المرءِ إن لم يُرَعْ به | وما طيبُ عيشِ المرء إن لم يُرَنَّق |
أبا فيصلٍ إن الحياةَ ثقيلةٌ | على غير مذمومينَ وغدٍ وأحمق |
سلِ القومَ ما معنى المرونةِ تختبرْ | تُستِّرهم عن خِسّةٍ وتَملُّق |
وعن ذمِّ محمودٍ لفرط مَنَاعةٍ | وعن حَمد مذمومٍ لفرطِ التحذلُق |
يسفُّون بالأخلاقِ إذ يُطلقونها | على كلِّ ما يَزري بحُرٍ مخلَّق |
أبا فيصل أشجى التحايا تحيةٌ | تمازجها الذكرى بدمعٍ مُرقرٌق |
تحيةُ مشتاقٍ لو اسطاع نُهزةً | تلقّاكَ من غر القوافي بفيلَق |
أخي عاطفات لم يَشُنها تكلُّفٌ | وذي خُلُقٍ لم يُمتَهنْ بتخلُّق |
لقد هزّت الأشواقُ قلباً عهِدتُهُ | إلى غيرِ أربابِ العُلى غير شيِّق |
ونفساً على أن لا تزالَ أمينةً | أخذتُ عليها كلَّ عهدٍ وموثَّق |
ولي فيك قبل اليوم غُرُّ قصائدٍ | كفاها سموّا أنها بعضُ منطقي |
من اللاء غذّاها " جرير " بروحه | ولاءَمَ شَطرَيها نسيج " الفرزدق" |
شربنَ بماء الرافدين وطارَحَت | بأسجاعِها سجعَ الحمام المطوَّق |
ومن قبل كانوا إن أرادوا انتقاصةً | من الشِعر قالوا عنه لم يتعرَّق |
فان لا تبذَّ المفلقينَ فانّها | يقصِّرُ عنها شاعرٌ غير مُفلِق |
سهرتُ لها الليلَ التّمام اجيدُها | أغوصُ على غُرِّ المعاني فأنتقي |
وأحبِبْ بها من مُورقاتٍ عزيزةٍ | عليّ وبي من مُستهامٍ مؤرَّق |
فجئتُ بها مبغى أديبٍ مقدّرِ | ومنعى حسودٍ موَغرِ الصدرِ أخرق |
وجاءوا بمرذولِ القوافي كأنما | " مركبةٌ أبياتها فوق زِئبق" |
وحسبكَ من خمس وعشرين حجةً | بها الشيخ ذو السبعين من حَنَقٍ شَقِي |
يقول وقد غطَّى شُعاعي بصيصَه | ترّفقْ وهل لي طاقةٌ بالترفّق |
فيا أيها الشعرُ الجميل انحطاطةً | بغيضٌ إلى قلب الحسود تفوُّقي |
مكانَك قِفْ بي حيثُ أنتَ فحسبُه | وحسبُك من شَوط تقدَّمتُ مالقي |
إذا قال شرِّقْ لا تغرَّبْ إطاعة | وإن قال غرّبْ فاحترس لا تشرّق |
وإن قال رِّفةْ عن حياتي فرأفةٌ | وإن قال دع لي فرجةً لا تضيِّق |
وعنديَ من لفظٍ جزيلٍ وصنعةٍ | لبابٌ وطبعٌ كالُمدام المعتَّق |
خوافٍ بشعري حلَّقت وقوادمٌّ | وما خيرُ شعرٍ لم يَطرِ فيُحلِّق |
إذا ما تبارَى والقوافي بَحلْبْة | صَرختُ به إن كنتَ شعري فأسِبق |
ولم لا يسيل الشعرُ لُطفاً ورقةً | إذا كان من فَيض القريحة يستقي |
يجيء به النسجُ الرقيقُ مُهَلْهَلاً | كمُوشِيِّ روضٍ أو كثوبٍ منَمَّق |
ويُردفهُ صوبُ المعاني فيزدَهي | زَها الروضُ عن صوب الحيا المتدِّفق |
وإن ضاعفتَه مسحةُ الحزن رَونقاً | فمن فضلِ أشجان أخذْن بمخنِقي |
فمن يَتنَكَّرْ من همومٍ فإنني | لأنكِر أن أعتادَ غيرَ التحرُّق |
وأنكرُ نفسي أن تُرى في انبساطةٍ | وأُنكر صدري أن يُرى غيرَ ضيق |
أخِفُّ إلى المرآة كلَّ صبيحةٍ | أرى هل أشابَ الهمُّ بالأمس مفرِقي |