بغداد على الغرق
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
بدت خَوداً لها الأغصان شَعرُ | ودجلةُ ريقُها والسَفْحُ ثَغْرُ |
على " بغداد " ما بَقِيتْ سَلامٌ | يَضُوعُ كما ذَكَا للوَردِ نَشْر |
سمتْ تَزْهو على السَفحَينِ منها | قصورٌ ملؤها زَهْوٌ وكِبْر |
يُظلَّلُ دجلةً منها جَناحٌ | كما بَاهى بقادِمتَيه نَسْر |
نزلتُ فما رأيتُ أبرَّ منها | وضيفُ كريمةٍ برّ يُبَر |
قرتْني الريحُ ، لم يَفْسُد ، مَهَبٌّ | له والماءُ ، لم يسْدُدْ ، مَمَرُّ |
سكِرتُ وما سُقِيتُ بغيرِ ماءٍ | ودجلةُ ماؤُها عَسَلٌ وخَمر |
كريمةُ سادةٍ عَرَّقْنَ فيها | عروقٌ من بني " عدنان " نُضْر |
كفى " العباسَ " ما أبقَتْ بنوه | فما تَربو على " بغدادَ" مِصْر |
مَضَوا غُرَّ الوجوهِ وخلَّدتْهم | نِقاباتٌ من الآثار غُرّ |
فمن يكُ ذكرهُ حَسَناً جميلاً | فحسْبُ القَوم في بغدادَ ذِكْر |
فيا بغدادُ لا ينفكُّ سِرٌ | لحُسْنِكِ ينجلي فيدِقُّ سِر |
أكنت و " بابلاً " بلداً سواء | فللملكَينِ باقٍ فيك سحر |
سقى الجْسرَ المَطيرَ من الغوادي | فَملْقى اللهو واللذاتِ جسر |
هو البرجُ الذي كادَتْ عليه | نجومُ الأفقِ ساجدةٌ تَخِرّ |
رأيتُ بأفقه شمسْاً وبَدراً | كأحسنِ ما تُرَى شَمسٌ وبَدر |
نهاراً كلُّه أُصُلٌ لِذاذٌ | وليلاً كلهُّ سحرٌ وفجر |
وقفتُ عليه وِقفةَ مستطيرٍ | من الأحزانِ ملْ حَشاه ذُعر |
وللأمواج من حَنَقٍ نَشيشٌ | كما يَغلي على النيرانِ قِدر |
ودجلةُ كالسجينِ بغَى فراراً | وأزْبَدَ حيثُ أعوزَه المَفَرُّ |
وذاك الثابتُ الأركانِ أمسى | عليها ريشةً لا تستَقِرُّ |
فما أدري غَداةَ نَزَا عليه | من الأمواج مُغتَلِمٌ يؤر |
أتحتَ الماءِ غاصوا حين جازوا | عليه أم فُوَيقَ الماءِ مرّوا |
أحقاً أن " أمَّ الخير " منها | بعاصمة " الرشيد " أحاطَ شرّ |
وبات الماءُ منها قِيدَ شِبرٍ | لقد أسدَى لها الأحسانَ شِبر |
ودجلةُ حُرَّةٌ ضيمَت فجاشَت | ويأبى الضيمَ والاذلالَ حرّ |
أضاعُوا ماءها هدراً وأخنَى | على مُستودَعِ البَرّكات فَقْر |
فان تَكُ دجلةٌ هَدَأت وقرَّت | فللغضبان " شِقْشِقَةٌ " تَقَر |
وإن تُبْتُمْ فذالكمُ وإلا | تُصِرُّ على البلية إن تُصرّوا |
رأوا حسنَ العراق فأعجبتهمْ | اباطحُ من ، ربيع فيه ، خُضْر |
وقد حَنُّوا اليه كما تلظى | فطيمٌ حول مرضعة تدُر |
فيا وطناً جَفَوْهُ وهو راضٍ | وعقَّته بنوه وهو بَرّ |
برغمي أن تروقَ لهم فتحلوا | مواردُهم وعيشي فيك مرّ |
نصيبي منك دمعٌ ليس يرقى | على البلوى وجنبٌ لا يَقِر |
رضيً بالحالتين ضنىً وبؤسٌ | فضُر من بلادي لا يضر |
ولستُ ببائعٍ أرضي بأرضٍ | وإن لم ألقَ فيها ما يسر |
ومن لم يرضَ موطنه مقراً | من الدنيا فليس له مقر |
تتابعت الخطوبُ على بلادي | فواحدةٌ لواحدةٍ تُجَر |
وقد مرت نحوسٌ واستمرت | وذلُ القوم نحسٌ مستمر |
فلو قالوا تمنَّ لقلتُ يوماً | يكرُّ وما به خطبٌ يكر |
إليك الشعرَ يا بغدادُ عِقداً | تناسق لؤلؤٌ فيه ودُرّ |
بيانٌ جاش فيكِ فجاء عفواً | وحسنٌ رق منك فرقّ شعر |
جرى بالوَفق من قلبي لساني | وأظهرت القوافي ما أُسِر |