ناغيت لبنانا...
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
ناغيت " لُبناناً " بشِعريَ جِيلا | وضفرته لجبينهِ إكليلا |
وردَدْتُ بالنغَمِ الجميلِ لأرزه | ظِلاًّ أفاءَ به عليَّ ظَليلا |
أو مَا ترى شعري كأنَّ خِلالَه | نسيَ النسيمُ جناحَهُ المبلولا |
وحِسانَ لُبنانٍ منحتُ قصائدي | فسحبنهنَّ كَدَلِّهنَّ ذُيولا |
أهديتُهُنَّ عُيونَهنَّ نوافِذاً | كعيونِهِنَّ إذا رَمَيْنَ قتيلا |
فردَّدنهنَّ من الأسى وجِراحِه | كِسَراً .. فَرُحْتُ المُّهنَّ فُلولا |
ورَجَعْتُ أدراجي أجرُّ غنيمةً | من " بنتِ بيروتٍ " جوىً وغليلا |
لُعنَ القصيدُ فأيُّ مُثرٍ شامخٍ | سرعانَ ما استجدى الحسانَ ذليلا |
رَدَّتْ مطامِحُه البِعادَ دوانياً | وكثيرَ ما خَدعَ الخيالَ قليلا |
ناغيتُ " لُبناناً " وهل أبقى الهوى | بُقيىً على قيثارتي لتقولا |
طارحتُه النغماتِ في أعيادِه | بأرقَّ من سجعِ الحمامِ هديلا |
ومَسحْتُ دمعَ الحُزنِ في أتراحِه | وجعلتُ مَحْضَ عواطفي مِنديلا |
وكذاكَ كنتُ وما أزالُ كما بنى | أهلي أُجازي بالجميلِ جميلا |
يا شيخَ " لُبنانَ " الأشمِّ فوارعاً | وشمائلاً ، ومناعةً ، وقبيلا |
مثَّلثَهُ في كلِّهنَّ فلم يُردْ | بسواك عنكَ . ولن يريدَ بديلا |
إنَّ العراقَ وقد نزلتَ رُبوعَهُ | لَيَعُدُّ ساكِنَه لديكَ نزيلا |
بُشرى " بشارةُ " أنْ تجوسَ خِلالَها | وتُزيرَ طرَفك أهلَها وتُجيلا |
قف في ضفافِ الرافدينِ وناجِها | وتفيَّ صَفصافاً بها ونخيلا |
واسمَعْ غِناء الحاصدينَ حُقولَها | للحاصداتِ من القلوبِ حُقولا |
سترى القريضَ أقلَّ مِن أنْ يَجتلى | لغةَ النفوسِ عواطفاً ومُيولا |
وتلمَّسِ الآهاتِ في نَبَراتِهِمْ | يُشعِلْنَ من حَدَقِ العيونِ فتيلا |
واستنطِقِ " الرَّمَلاتِ " في جَنَباتها | ولطالما استوحى النبوغُ رمولا |
واستوحِ كُوفاناً وبصرةَ إذ هُما | يتصدَّرانِ العالَمَ المأهولا |
يستورِدانِ حَضارةً ومواهباً | ويُصدِّرانِ فطاحلاً وفحولا |
وتَقرَّ " بغداداً " فانَّ دُروبَها | ستُريكَ من سِفرْ الزمانِ فُصولا |
ستُريكَ كيف إذا استتمّتْ دولةٌ | أعمى الغرورُ رجالَها لتدولا |
إيهٍ " بِشارةُ " لم تكنْ لتَحُدَّ من | مهوى النفوسِ ولم تكنْ لتحولا |
إني رَصَدتُكَ من بعيد لم أُرِدْ | إذناً عليكَ ولا بعثتُ رسولا |
ودخلتُ نفسَك لم أزاحِمْ حاجباً | عنها ، ولم ألجِ " الرِواقَ " فضولا |
وحَلَفْتُ لا أُوذي الملوك ولا أُرى | ظِلاًّ على بابِ " الأميرِ " ثقيلا |
صَونٌ لمجدِ الشعرِ أوهمَ خاطئاً | أنّي خُلِقتُ على قِلىً مجبولا |
ولربما ظنَّ الرواجمُ أنّهمْ | سيرَوْنَ من هذا " المنخَّل " غُولا |
وعرفتُ فضلَكَ قبل كونِك عاهلاً | تُرخي عليكَ حِجابَك المسدولا |
تَلِجُ العقولَ عباقراً ونوابغاً | وتُمحِّصُ المعقولَ والمنقولا |
ووجدتُك المُعطي السياسةَ حقَّها | ترعى النُّصوصَ وتُحسِنُ التأويلا |
والمستجيرَ بظلِّها من ظلِّها | تتخيرُ التحويرَ والتحويلا |
ولمستُ يومَك حين ضجَّ ضجيجُها | ومشتْ تدُكُّ روابياً وسهولا |
تستخدمُ المتفجراتِ لدافعٍ | عن حقِّهِ وتُسخِّرُ " الأسطولا " |
وعُقابُ " لبنانٍ " تَضُمُّ جَناحَها | تحمي الفِراخَ وتحرُسُ الزُّغلولا |
وبنوكَ أُسْدَ الغابِ في لبِداتِهِمْ | عُبْلُ السواعد يمنعونَ الغيلا |
حتى إذا انجلتِ العَجاجةُ وارتمى | شِلْواً – ربيبُ " فَجارةٍ " منخولا |
وتخلتِ الأقدارُ عن متجبِّرٍ | ملأ البلادَ وأهلَها تنكيلا |
وبرزتَ مثلُ السيفِ لا مُستسلماً | جُبْناً ، ولا نِكْساً ، ولا مخذولا |
وتزاحمتْ بالهاتفينَ شِعابُها | يُزجُونكَ التكبيرَ والتهليلا |
كنتَ الجديرَ بكلِّ ذاكَ وفوقَه | إذ كنتَ سيفَ جهادِها المسلولا |
يا شيخَ " لبنانٍ " وحَسْبُكَ خِبرةً | رَفَعَتْك شيخاً في الملوك جليلا |
جرَّبتَ حنظلةَ الدخيلِ وطعمَها | وصميمَها وطِلاءَها المعسولا |
ولمستَ من لَهَبِ السياطِ ووَقْعها | فوقَ الظهورِ على الطُّغاةِ دليلا |
ورأيتَ كيف العِلْجُ يُسمِنُ أهلَهُ | يُقري بنيهِ شعبَك المهزولا |
وعرفتَ قدرَ العاملينَ مبجَّلاً | شكراً ، وحظَّ العاملينَ جزيلا |
رَنتِ العيونُ إليكَ تُكبِرُ موقفاً | من " شيخِ " لُبنانَ النبيل نبيلا |
وتُريدُ منك وقد تقلَّصَ ظلُّهم | ألا تَميزَ على الدخيلِ دخيلا.. |
فلقد خَبَرنا نحنُ قبلَك مِثلَهُ | وأشرَّ في لغةِ الطُغاةِ مثيلاً |
فاذا بـ " حنظلةٍ " تَحِنُ لأختِها | وإذا بـ " شدقمَ " يستظلُّ " جديلا " |
وإذا بأولاوءٍ تفرِّقُ بينَهم | شتى الدُّروبِ ويلتقونَ سبيلا |
فاوِض فقد غَدَت العوالِمُ عالماً | ما زالَ حَبْلُ صِلاتهِ موصولا |
وسيجرِفُ التاريخُ في تيّارِه | شعباً يَظَلُ مُجانِباً معزولا |
وتُراثُ " لُبنانٍ " قديمٌ نشرهُ | في المشرقينِ مواهباً وعقولا |
لكنْ تَوَقَّ من الوعودِ سلاسلاً | برّاقةً ، ومن العهودِ كُبولا |
فاوِضْ وخلِّ وراءَ سمعِك مُغرياً | وأمامَ عينِكَ شامتاً وعَذولا |
ولأنتَ أعلمُ إنْ تُزحْزَحْ عندَهم | شبراً ، فسوفَ يُزحزحونكَ ميلا |
وإذا ارتختْ عُقَدٌ تيسّرَ حلُّها | جدُّوا لكم عُقَداً تُريدُ حُلولا |
" عبدَ الاله " وليس عاباً أنْ أرى | عِظمَ المقَامِ مُطوِّلاً فأطيلا |
كرَّمت صيفَك يستثيرُ جلاله | نُطقاً ، ويدفعُ قائلاً ليقولا |
يا ابنَ الذينَ تنزَّلتْ ببيوتِهم | سُوَرُ الكتابِ ، فرُتِّلتْ ترتيلا |
الحاملينَ من الأمانةِ ثقلَها | لا مُصعِرينَ ولا أصاغِرَ مِيلا |
والناصبينَ بيوتَهم وقبورَهم | للسائلينَ عن الكرامِ دليلا |
والطامسينَ من الجهالةِ غَيْهباً | والمُطلعينَ من النُّهى قِنديلا |
ملكوا البلادَ عروشَها وقصورَها | واستعذبوا وعْث التراب مَقيلا |
يا ابنَ النبيِّ وللملوكِ رسالةٌ | مَنْ حَقَّها بالعدلِ كانَ رسولا |
يرجو العراقُ بظلِّ رايةٍ فيصلٍ | أنْ يرتقي بكما الذُّرى ويطولا |
لا شك أنَّ وديعةً مرموقةً | عز الكفيلُ لها فكنت كفيلا |
وكيانُ مُلكٍ في حداثةِ عهدِه | يتطلَّبُ التلطيفَ والتدليلا! |
وسياسة حضنتْ دُعاةَ هزيمةٍ | وتبنَّتِ التفريقَ والتضليلا |
تُغري المثقفَّ أن يكون مُهادِناً | وابنَ الجهالةِ أنْ يظَلَّ جَهولا |
ألقت على كتِفيكَ من زَحَماتِها | عبءاً تنوءُ بهِ الرِّجالُ ثقيلا |
شدَّتْ عروقَك من كرائمِ هاشمٍ | بيضٌ نمينَ خديجةً وبتولا |
وحَنَتْ عليكَ من الجدودِ ذؤابةٌ | رَعَتِ الحسينَ . وجعفراً وعقيلا |
قُدْتَ السفينةَ حين شَقَّ مقادُها | وتطلَّبتْ رُبَّانَها المسؤولا |
أعْطتْكَ دَفَّتها فلم تَرجِعْ بها | خوفَ الرِّياحِ ولا اندفعتَ عَجولا |
وَمنَحْتَها والعاصِفاتُ تؤودُها | مَتناً أزلَّ وساعداً مفتولا |
أُعطِيتَ ما لم يُعطَ قبلَكَ مثلَه | شعباً على عِرفانِكُمْ مجبولا |
إنَّ العراقَ يُجلُّ بيْعةَ هاشمٍ | من عهدِ جدِّكَ بالقرونِ الأولى |
هذي مصارِعُ مُنجبيكَ ودورُهم | يملأنَ عَرضاً للعراقِ وطُولا |
ما كانَ حجُّهُمُ وطوفُ جموعِهمْ | لقبورِ أهلِكَ ضَلَّةً وفُضولا |
حبُّ الأُولى سكنوا الديارَ يَشفُّهم | فيعاوِدونَ طلولَها تقبيلا |
يا شيخَ " لُينانٍ " شكيَّةَ صارخٍ | تتخلَّلُ الترحيبَ والتأهيلا |
كنّا نُريدُك لا القلوب " مغيمة " | فينا . ولا خِصبُ النفوسِ مَحيلا |
لنريكَ أفراحَ العراقَ شَمالَه | وجنوبَه وشبيبةً وكُهولا |
جئتَ العراقَ ومِن فِلَسْطِينٍ به | وَجَعٌ مطببَّهُ يعودُ عليلا |
والمسجدُ المحزونُ يُلقي فوقَه | ليلاً – على الشرقِ الحزينِ – طويلا |
ذهبتْ فِلَسْطينٌ كأن لم تَعترِفْ | مِن كافليها ضامناً وكفيلا |
وعفَتْ كأن لم يمشِ في ارجائها | " عيسى " ، و " أحمدُ " لم يَطِرْ محمولا |
والمسجدُ الأقصى كأنْ لم يرتفعْ | فيهِ أذانٌ بُكرةً وأصيلا |
وثرى صلاح ِالدينِ دِيسَ وأنعلتْ | منه جيوشُ الواغلِين خُيولا |
و " الحنظلُّي " بحِلْفِهِ ووعُودهِ | ما زالَ كاذبُ وعدِه ممطولا |
لم يرعَ شرعَ الكافرينَ ، ولا وفى | حقَّيهما القرآن َ والانجيلا |
أعطى " إلَنْبي " أهلَها فاستامهم | بلفورُ ، فاستوصى بهم عِزريلا |
واليومَ يفخرُ " بالحيادِ " كفاخرٍ | بالقتلِ إذ لم " يُسلَخِ " المقتولا |